وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الاثنين، 12 ديسمبر 2011

التعبير الوظيفي والتعبير الإبداعي

لماذا الجمع بين فنيات التعبير وتقنيات البحث :
1.3
التعبير الوظيفيّ والتعبير الإبداعيّ :
  1. والتعبير شفهيًّا كان أو تحريريًّا فإنّه يكون على نوعين بحسب نوع المعالجة وطبيعة الموضوع . فإذا كان المقصود منه اتّصال الناس بعضهم ببعض كالمحادثة والمناقشة والإخبار .. وغير ذلك يسمّى هنا (التعبير الوظيفيّ) أمّا إذا كان الغرض منه التعبير عن الأفكار والخواطِر النفسيّة ونقلها إلى الآخرين بطريقة مشوّقة مثيرة يسمّى التعبير الإبداعيّ )
    وإذا ما نظرنا إلى الإبداع الأدبي خاصة والفكري عامة على أنه نشاط اجتماعي ينطلق فيه الأديب والمفكر من منطلقات خاصة بغية تكريس مفاهيم معينة فإنه يتعين الأخذ بمفهوم المنهج الواسع في القراءة والتحليل الذي يرتكز على فنيات وإجراءات تمثل أدوات العمل لكل من يتناول إنتاجاً ما ساعياً إلى فهمه وسبر غوره والتوصل إلى كنهه
    صحيح أنّ التعبير وسيلة تدفع الباحث إلى تجسيم الفكرة ومنحها طابعًا ملموسًا إضافةً إلى الطابع الجمالي الذي يتأتّى عن طريق اللّغة وسبل توظيفها ثم إن الفن الأدبى فى جميع مذاهبه يهدف إلى تصوير المشاعر والتجارب الإنسانية فى صورة تنبض بالحياة، وتنزلها من عالم التجريد إلى عالم التجسيد
عهدنا منذ زمنٍ قريبٍ لدى بعض الدارسين ـ وكذلك المكوِّنين والمتابِعين ـ وصف التعبير بكونه كفاءة كما لاحظنا أعلاه، وذلك في ضوء ما أصبح يُعرَف بالتعليم بمقاربة الكفاءات وهم محقّون في ذلك، وهذا يعني أنّه على المعلِّم الذي يتولّى تلقين متعلِّميه مثل هذا المادّة أن يعرف أنّ مسعاه ينشقّ إلى شقّين أساسيّين هما :
تفعيل وتنشيط كفاءة التعبير وأساسيات البحث
ولتحقيق المسعى الأوّل لا بدّ مِن
تعليم الفنيات والتقنيات الموصِلة إلى ذلك
وإذا عرجنا مرّة أخرى على الكفاءة ، تلك التي تشمل التلميذ بالدرجة الأولى، وقد تُجعل في علاقة تماس مع ما يدعى الكفاءة التعليمة التي تخصّ المعلِّم، فلا محالة نجد مسوِّغًا طبيعيًّا للجمع بين فنيات التعبير وتقنيات البحث . فالبحث مرحلة سابقة على المناقشة والصياغة أي التعبير، لكن هذا الأخير يعلِّم اللّغة التي هي أداة البحث ، فالعلاقة وطيدة بين الآليتين :
التعبير بمصراعيه الشفهي والكتابي
البحث عن المعطيات والتقنيات التي تسمح بمقاربتها
ولا بدّ من إزاحة الستار عن الحدود المميِّزة بين النوعين (التعبير الشفهيّ والتعبير الكتابيّ) ، وذلك بالرجوع إلى المميّزات اللّغويّة بالدرجة الأولى وقد ترفَد بغيرها من المميّزات توضِّح أسباب الاختلاف، ثمّ يُتعرَّض إلى التداخلات الكائنة بينها ونتناولها على شكل ثنائيّة نقصد بها التركيز على التعبير الشفهي وأسسه وخصائصه وغاياته الخاصّة ، وهو يرفد التعبير الكتابي بل ويزاحمه ويتلوّن ببعض خصائصه . هنا تكمن أهميّة التفريق بين نوعين من التعبير.ويتعاظم شأن البحث عن المعلومات عندما نتعرّف على مراحله ويمكن ذكر هنا جملةً ما يشمله البحثُ من المحطات (وهي التي سنتوسّع فيها عبر إحدى محاضراتنا المقبلة) ، وهي الآتية :
تحديد المشروع
الإحاطة بالموضوع
تعيين موقع المعلومة
تنفيذ البحث
انتقاء الوثائق
معالجة المعلومة (المعطيات)
نشر المعلومة
التقويم الذاتي
2.3
النصّ نظامٌ :
إنّ معظم ما يمكِن أن يُدعى أنماط النصوص وأصنافها فمرجِعه إلى قدرة النصّ على تنظيم المعطيات والأفكار والآراء وإتاحة الفرص أمامَ صاحبه أن ينفِّس عن مشاعره ويبوح بأسراره، فهذه الجملة تفتح آفاقًا واسِعة أمام التعبير الكتابي ، وهو ما يدفعنا إلى الحديث عن مقاربات البحث مثل الاستقراء والاستنتاج والتحليل والتركيب ... ، وما يُتعرَّض إليه في ظلِّ منهجيات البحث ومنطق التفكير ومبادئه؛ ويجعلنا كذلك نتناول آليات الوصف والسرد والتفسير والحجاج والحوار، وذلك بالوقوف عند الخصائص اللّغويّة لتلك الأشكال التعبيريّة التي أشرنا إليها سابقًا ومن حيث تحديد المعايير والمواصفات وخصائص الكتابة والأسلوب مع رصد رهانات النص، علمًا أن تلك المعايير والمواصفات تتحدد من خلال معرفة طبيعة المعيار البنيوي للمؤلف ومعياره الشعري (الفني) والأجناسي ؛ فعلينا بتناول موضوع النص نظرًا لقدرته على التخطيط للتعبير رسومًا ومسارات ، وحفر محطّات إذا وُصِفت أحسن وصفٍ وحلّلت ودرست تمكّنت من التنبّؤ بحدود التعبير .
«
والنّص الإبداعي ـ عادة ـ يتجاوز هذه المشكلة بمجرّد اختراقه للاصطلاح السّائد، وهذا التّجاوز الإبداعي هو تأسيس لنظام جديد ينبثق من داخل النّص تتحرّك به الدّوال نحو مدلولات تتشكّل كناتج هو تأسيس لنظام جديد ينبثق من داخل النّص تتحرّك به الدّوال نحو مدلولات تتشكّل كناتج إبداعي لعلاقات الدّوال بعضها مع بعض، فهي إذًا واقع مبني لا يسبق النّص ولا يلحق به، وإنّما ينتج عنه  فهكذا يستند التعبير إلى ركيزة التحليل، فيُشرِف المعلِّم على ما يتوجّب عليه من ترسيخ المفاهيم الخاصّة بتحليل النصوص، ثمّ لا بدّ من إيجاد الوعي لدى التلميذ بأهمية الأدب ، وإيجاد الوعي يكون عن طريق تقديم النصوص الرفيعة من منابعها الأولية، وترغيب التلميذ في الإفادة منها، مع محاولة ربطها بواقع الحياة المعاصرة، وتوفير الأشباه والنظائر إلى تلك النصوص، فلكي يكون العلم مَلَكة لدى المتعلِّم، لا بدّ له من الدراسة والممارسة، وهما أساس الإتقان والإبداع. ولقد قيل: " الممارسة أفضل معلِّم " واللغة العربية ليست بدعًا في الموضوعات الأخرى. « الرافد سارتو ـ فوكو لم ينفك هو الآخر في تحليل الخطاب كممارسة، والحفر في الرواسب العقلية التي تحجب جملة الاختلافات والتباينات التي تميز المنظومة المعرفية épistémé لكل عصر » هذا يفسِّر لجوء المدرِّس إلى ما يُدعى بالشّاهد الّذي يتحرّاه في النّصوص المُقدَّسة والأدب الّتي ويُعلِّل البعضُ ويُفسِّر وقوع اختيّاره لها باعتبارها منطوية على جمالياتٍ ، إذ أنّ النّص الأدبيّ له قيمة في ذاته بينما النّص غير الأدبيّ كثيرًا ما يُتخلّص منه ويلقى في مدارج النّسيان بمجرّد ما يَفرَغ من مهمّته . لكن في الحقيقة التّحصيل هو الّذي يُمكِّن مِن دفع عجلة تعليم أيّ لغة لا الوظيفة الشّعريّة اللّهمّ إلاّ إذا كان الهدفُ هو تزويد المتمدرِس ما يُصقِل ملكته البيانيّة. وتوفّر الظّروف والعناصر التّبليغيّة الّتي لها علاقات شتّى بالمفهوم وبالجانب اللّغويّ.إذ أنّ مُستعمِلي الكلِمات (المحصّلة) هم موظِّفو اللُّغة كلُّهم وفي المَقامات الأكثر تَنوُّعًا، بيْنما اعتادت الدّراسات التّصنيفيّة حصر مُستعمِلي الصّور البلاغيّة (الجامدة) في مستوًى محدَّد وهم الّذين كثيرًا ما يُوضعون في موضِع بغضِّ النّظر عن تلك المَقامات التّداوليّة بحْتة الرّامية إلى الإقناع مثلاً. في حُقولٍ مُعيّنة، مِن أجْل الإحالة إلى مَفاهيم مُرتبِطة بِحُقولٍ مُحدَّدة أمّا الجدْول المعجمي العام فيتناسب مع كلِّ المَواضيع والانشِغالات المُتعلِّقة بِالحياة اليوميّة لِلنّاس، لِلتّعبير عن المَشاعِر، وتوجيه الأوامِر. أخيرًا، فأنماطُ الخِطابات الّتي تَندمِج فيها الكلِماتُ ليْست مُعيّنة ومُحدَّدة بِنفس درَجة تَحديد الخِطابات الّتي تَشتمِل على الصّور وتلك التّراكيب المبنيّة. فتتمثّل أنماطُ هذه الأخيرة (الخطابات) في النُّصوص المُتخصِّصة (النّصوص العلميّة التّقنية ، والنّصوص التّقريريّة الإعلاميّة) .. وهو العاكِس لثنائيّة الجانب الشّكليّ اللّفظيّ التّعبيريّ والجانب المضمونيّ المفهوميّ الدّلاليّ
وإذا أردنا أن نوطِّن التّلميذ على إنتاج النّصوص الشّعريّة ، علينا أن نكشف له ما يميّز النّص الشّعري بالدّرجة الأولى مثل الوزن والقافية و ... ؛ ليس هذا فحسب ، بل لا بدّ أيضا ونتحفّظ ألاّ نبعده من اللغة اليوميّة والعادية، ومهما تعاظم ميلُه إلى التذوّق الشعري، أي نكسبه القدرة على الإنتاج، ونزيح السّتار عن العناصر اللّغويّة التي تُسهم في تشكيل الملكة التّواصليّة التي لا تُبعِده عن الناس بقدر ما تجعله واحِدًا منهم ، لأنّ بهذا فقط سيتمكّن من الاغتراف من خبراته الشّخصيّة : هذا ما يمكِن تناوله تحت تسمية التجربة الشّعريّة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق