نزار قباني الشاعر الناطق باسم الشعوب العربية
بقلم : بغداد سايح
بعد مرور 14 سنة من وفاة صاحب رائعة " الرسم بالكلمات" أجدني أقول
نزار قباني شاعر استطاع أن يعيد للشعر جمهوره، فهو الذي كسر الحاجز بين القصيدة و قارئها مستعملا أعذب المفردات و أبسطها في أسلوب السهل الممتنع، و هو الشاعر المتفرد بتلقائيته العالية و عفويته الشعرية النادرة فأشعاره تجد القبول عند النخبة و العامة، وهو القادم من مدن الجرح حاملا شعلة الكلمة لكي يبحث عن القيم في ظلام الأمة، و هو المحرر بأفكاره العالم العربي من التقاليد البالية، و هو الإنسان سفيرا وشاعرا مشى يكتشف الحضارات و الأجناس غارسا في ذهن الآخر بذرة من تراث العرب، و هو الدمشقيّ الحالم بالحرية المؤمن بالحب حدّ التورط في المنافي.
نزار قباني ذاك المفعم بمشاعر الانتماء إلى وطن يتسع للجمال، الثائر على قيود الإبداع والتطور، المحلّق في سماوات التميّز، عاش آلام العرب و آمالهم فكانت قصائده متنوعة التجارب من عواطف وعواصف في السياسة و المرأة و الوطن، فهو عبّر عن الحياة العربية بأدقّ تفاصيلها فما كان على الغناء إلا أن يساير أشعاره و كلماته مما سمح له أن يكسب عبر الطرب جمهورا عريضا يتذوّق فنه الشعري المتجدد، و لذلك برز دوره الفعّال على الساحة العربية من خلال روائعه التي أثبتت بأحقية أن يكون الشعر ديوان العرب، فكم من قصائد منحها زفراته و دموعه عاصرا قلبه المصدوم بالهزائم في هوامش على دفتر النكسة و في مفكرة عاشق دمشقي، و كم رسم بالكلمات قضايا التحرر بألوان البوح الفاتحة و الداكنة ، و كم ناصر المرأة العربية في مجتمع ذكوري متسلط حتى لقبوه شاعر المرأة و هو أكبر من ذاك اللقب، و كم هدّ أسوار الطابوهات بمعول الخاطرة الصادقة فكان الشاعر الناطق الرسمي باسم الشعوب العربية ضد كل أشكال التخلف و الدكتاتورية.
لم يكن نزار ليتقزّم و يحصر ذاته في منصب السفير بل ترك كل امتيازات وظيفته لا لشيء إلا ليقف بجانب القضايا العادلة، فنجده يتخّذ موقفاً مشرّفا بخصوص الثورة الجزائرية من خلال نصوص تشفّ عن حبه العميق لأرض الشهداء مبرزا أمجاد و بطولات رجال و نساء كتبوا بالدماء الأشعار الحقيقية كما يصفها نزار، فالسيف رمزا يوقّع أجمل الأشعار و الجزائر في منطقه مدرسة الثوّار، و من أجمل ما قاله عن مآثر الجزائر في قصيدته عن جميلة بوحيرد "ما أصغر جان دارك فرنسا في جانب جان دارك بلادي"، هكذا آزر نزار بشعره و إنسانيته بلد الجزائر متخلصا من الجغرافيا الضيقة لمفهوم وطن فكان عليّ أن أقول عنه في قصيدتي زئير الشعر:
و يهوى نزار بلاد التصدّي ** فينسجُ شعر القضايا لباسا
يراها الجميلةَ ضوءً و ماءً ** و يملأ منها بمجديْنِ كاسا
و يشدو مع الحرف حتّى يغنّي ** ترابٌ فيبني لنصرٍ أساسا
فما أعظم الشِّعر لمّا يُصلِّي ** و يرفعُ أحلى دعاءٍ جِناسا
بدائعُ ضادٍ تضيءُ الزوايا ** وتحملُ نحو الأراجيفِ فاسا.
و يبقى نزار في نظري معلّم الأجيال الشعرية بعده و قامة هائلة لم أجد لها مثيلا على امتداد البوح العربي إلا في الشموخ الشعري للمتنبي، فهو حين قال في آخر أيامه بعاصمة الضباب لندن أنه يجب عليه تسليم مفاتيح قلعة الشعر للجيل الجديد يؤكد بطريقة ما أن هذه المفاتيح استلمها من أبي الطيب و كأن حياة الشعراء العظام أشبه بسباق التتابع فكل شاعر يسلّم الشعلة لمن بعده، وبذلك سأظل أتساءل و أنا المستمد طاقتي الشعرية من أشعاره منذ بداياتي:" هل سلّمني نزار قباني تلك المفاتيح أم أنني دخلت قلعة الشعر بدونها؟".
بقلم : بغداد سايح
بعد مرور 14 سنة من وفاة صاحب رائعة " الرسم بالكلمات" أجدني أقول
نزار قباني شاعر استطاع أن يعيد للشعر جمهوره، فهو الذي كسر الحاجز بين القصيدة و قارئها مستعملا أعذب المفردات و أبسطها في أسلوب السهل الممتنع، و هو الشاعر المتفرد بتلقائيته العالية و عفويته الشعرية النادرة فأشعاره تجد القبول عند النخبة و العامة، وهو القادم من مدن الجرح حاملا شعلة الكلمة لكي يبحث عن القيم في ظلام الأمة، و هو المحرر بأفكاره العالم العربي من التقاليد البالية، و هو الإنسان سفيرا وشاعرا مشى يكتشف الحضارات و الأجناس غارسا في ذهن الآخر بذرة من تراث العرب، و هو الدمشقيّ الحالم بالحرية المؤمن بالحب حدّ التورط في المنافي.
نزار قباني ذاك المفعم بمشاعر الانتماء إلى وطن يتسع للجمال، الثائر على قيود الإبداع والتطور، المحلّق في سماوات التميّز، عاش آلام العرب و آمالهم فكانت قصائده متنوعة التجارب من عواطف وعواصف في السياسة و المرأة و الوطن، فهو عبّر عن الحياة العربية بأدقّ تفاصيلها فما كان على الغناء إلا أن يساير أشعاره و كلماته مما سمح له أن يكسب عبر الطرب جمهورا عريضا يتذوّق فنه الشعري المتجدد، و لذلك برز دوره الفعّال على الساحة العربية من خلال روائعه التي أثبتت بأحقية أن يكون الشعر ديوان العرب، فكم من قصائد منحها زفراته و دموعه عاصرا قلبه المصدوم بالهزائم في هوامش على دفتر النكسة و في مفكرة عاشق دمشقي، و كم رسم بالكلمات قضايا التحرر بألوان البوح الفاتحة و الداكنة ، و كم ناصر المرأة العربية في مجتمع ذكوري متسلط حتى لقبوه شاعر المرأة و هو أكبر من ذاك اللقب، و كم هدّ أسوار الطابوهات بمعول الخاطرة الصادقة فكان الشاعر الناطق الرسمي باسم الشعوب العربية ضد كل أشكال التخلف و الدكتاتورية.
لم يكن نزار ليتقزّم و يحصر ذاته في منصب السفير بل ترك كل امتيازات وظيفته لا لشيء إلا ليقف بجانب القضايا العادلة، فنجده يتخّذ موقفاً مشرّفا بخصوص الثورة الجزائرية من خلال نصوص تشفّ عن حبه العميق لأرض الشهداء مبرزا أمجاد و بطولات رجال و نساء كتبوا بالدماء الأشعار الحقيقية كما يصفها نزار، فالسيف رمزا يوقّع أجمل الأشعار و الجزائر في منطقه مدرسة الثوّار، و من أجمل ما قاله عن مآثر الجزائر في قصيدته عن جميلة بوحيرد "ما أصغر جان دارك فرنسا في جانب جان دارك بلادي"، هكذا آزر نزار بشعره و إنسانيته بلد الجزائر متخلصا من الجغرافيا الضيقة لمفهوم وطن فكان عليّ أن أقول عنه في قصيدتي زئير الشعر:
و يهوى نزار بلاد التصدّي ** فينسجُ شعر القضايا لباسا
يراها الجميلةَ ضوءً و ماءً ** و يملأ منها بمجديْنِ كاسا
و يشدو مع الحرف حتّى يغنّي ** ترابٌ فيبني لنصرٍ أساسا
فما أعظم الشِّعر لمّا يُصلِّي ** و يرفعُ أحلى دعاءٍ جِناسا
بدائعُ ضادٍ تضيءُ الزوايا ** وتحملُ نحو الأراجيفِ فاسا.
و يبقى نزار في نظري معلّم الأجيال الشعرية بعده و قامة هائلة لم أجد لها مثيلا على امتداد البوح العربي إلا في الشموخ الشعري للمتنبي، فهو حين قال في آخر أيامه بعاصمة الضباب لندن أنه يجب عليه تسليم مفاتيح قلعة الشعر للجيل الجديد يؤكد بطريقة ما أن هذه المفاتيح استلمها من أبي الطيب و كأن حياة الشعراء العظام أشبه بسباق التتابع فكل شاعر يسلّم الشعلة لمن بعده، وبذلك سأظل أتساءل و أنا المستمد طاقتي الشعرية من أشعاره منذ بداياتي:" هل سلّمني نزار قباني تلك المفاتيح أم أنني دخلت قلعة الشعر بدونها؟".
ساعد بولعواد
ردحذفلقد رأيت فيما يرى النائم أني أدخل مكتبا مليئا بالأوراق يعلوها غبار كثير ،يشع نور مضيء بشدة من على نافذة صغيرة ،وأنا أحثو الخطى بين جنبات وأركان هذا الكشك الورقي ،فما تأويل رؤياي يا بغداد-أقول هذا بجد-وليست أضغاث أحلام .
مودتي كما يليق .
********************************************************
بغداد سايح
أخي الحبيب ساعد
رؤياك عظيمة في تأويلها أما الأوراق فهي التاريخ الذي يحاولون إخفاء حقيقته بغبار كذبهم و أما الشعاع و الآتي من النافذة فهو صوت الحق القادم.. دمت شاعرا رائعا