وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الخميس، 22 نوفمبر 2012

الأب القدوة ...

الأب القدوة .... للأستاذ ساعد بو لعواد

إن الأسرة هي البيئة الصالحة لتربية الأجيال الناشئة وإعدادهم للتكيف مع الحياة ،بوعي ناضج وفكر متفتح ، ومما لا شك فيه أن العناية بالتربية الرشيدة في الأسرة والمجتمع هي التي ستمكننا من استثمار الطاقات البشرية والطبيعية لتوجيهها لبناء الحضارة على أساس العلم والإيمان
واعتناء الآباء بتربية أبنائهم واجب مقدس ،فهناك حالات يجب فيها تدخل الآباء لتقويم ما اعوج من سلوك أبنائهم ،ولكن يحصل في بعض الحالات أن تترك الحرية لهم في اختيار ما يملأون به فراغهم ،وهذا ما نراه من خلال هذه المسرحية القصيرة .

المشهد الأول

في غرفة الجدة
الأب:يطرق الباب ثم يدخل ،يحيي أمه :السلام عليكم ورحمة الله ،كيف حالك يا أماه ؟(ثم ينحني ويقبل رأسها ).
الجدة :أحمد الله على كل حال وأعوذ به من حال أهل النار
الأب:هل أصحبك إلى الطبيب ،أم أحضره إلى غرفتك هنا ؟
الجدة :لا داعي لإحضاره إطلاقا ،فحالتك المادية لا تسمح بذلك (تتمتم بين شفتيها ):وإذا مرضت فهو يشفيني
الأب :إني راغب في رضاك ،ومهما فعلت فلن يعدل عملي طلقة واحدة ساعة ولادتك لي (يقبل رجليها ويخرج مسرعا )

المشهد الثاني

الأب وزوجته
بعد خروج الأب من غرفة الجدة تستقبله زوجته مكشرة
الأب:لقد اشتدت الآلام على أمي وأصبح من الواجب أن أحضر لها الطبيب
الزوجة (ترفع يديها متأوهة) آه ،أمك ...أمك إنها تتمارض ولا تريد أن تعينني في شؤون البيت ،فلو كانت عند ابنتها للعقت قدميها .
الأب:أمي لا تدعي المرض لأنها تعرف قول الرسول –ص- (لا تمارضوا فتمرضوا)
الزوجة: أتريد أن تفهمني بأنك تحب أمك ،لو كنت تحبها حقا لما تركتها طريحة الفراش .
الأب :وماذا أفعل ؟هل من نصيحة تقدمينها لي ؟
الزوجة:خذها إلى دار العجزة ،فهناك الأسرة والفراش الوثير ،والموائد المطرزة بأنواع المأكولات مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين ،والتلفاز ال...(يقاطعها الأب)
الأب:ماذا تقولين ؟ماذا أصابك يا امرأة ؟هل جننت ؟أرمي أمي في ....(يضحك مستهترا)،
الزوجة: (تقاطعه) أخاف على مصلحتنا ومصلحة وحيدنا ،فترميني باالجنون؟
الأب: (مستأسدا) أوصلت بك الجرأةإلى هذا الحد من الدناءة ، اغربي عن وجهي ،وإلا...(يغادر البيت لإحضار الطبيب)

المشهد الثالث

الأب والطبيبة
(دخل الأب غرفة الطبيبة ،وهو يرتعش والحزن يتملكه )
الأب : (يحيي بعد طرق الباب ) السلام عليكم ورحمة الله
الطبيبة : بون جور (bon jour) .
الأب: هل يمكنك أن تصحبيني إلى بيتي لتفحصي والدتي فهي طريحة الفراش لا تقوى على الحراك .
الطبيبة: بوه ،عندك طومابيل .
الاب:استأجرت سيارة أجرة ،وهي بانتظارك في الخارج .
الطبيبة: (بعد أن جمعت ما تحتاجه في حقيبة ) ،هيا
الأب: (تغرورق عيناه بالدموع ، ويرفع داعيا السماء )

المشهدالرابع

فحص الجدة
تشرع الطبيبة في فحص الجدة ، بينما يبقى الأب خارج الغرفة ،يروح ويجيء، ويرى ابنه منزويا في إحدى زوايا حجرة الاستقبال واضعا رأسه بين ركبتيه ،بينما الأم كعادتها تبدو غير مهتمة بالموضوع (الحدث).
الطبيبة: (بعد خروجها) لا داعي للقلق فالجدة بخير ، خذ هذه الوصفة وأحضر لها الدواء الموصوف .
(يدخل الابن الحفيد على الجدة نمرتميا في أحضانها ،بينما يصحب الأب الطبيبة إلى الخارج ).
الأب: ما مرض أمي ، يا دكتورة ؟
الطبيبة: إن أمك مصابة بداء الفالج .
الأب: الفالج ؟ وما الفالج ؟
الطبيبة : عفاك الله إنه مرض يصيب شقا من الجسم فيفقده الحركة .
الأب : وما علاجه ؟
الطبيبة : أنصحكم أن تحضروا لها مغنية تخفف عنها همها وأحزانها ليصفو بالها وتعود إلى سرورها ،وهذا هو علاجها
الأب : لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا .

المشهد الخامس

تدخل المغنية وتستقبلها الزوجة بوجه عبوس ثم تتوجه نحو المطبخ غير مبالية ،بينما يأخذ الابن المغنية إلى الجدة .
المغنية: (تسلم على الجدة ) وتقول : أنت بخير وستكونين أكثر خيرا إن شاء الله ،اسمعي (تنشدها بعض الأناشيد الثورية
الجدة: أراحك الله يا ابنتي ،فلقد ذكرتني في الجزائر نوفمبر.
(تدخل الأم تحمل فنجانا من القهوة ،وسرعان ما تمسك برقبة ابنها وتلقي به خارج الغرفة ،لأنه كان يمسك بعود المغنية ،ثم تقول له: هكذا يا وجه النحس ،لم يبق لك إلا الغناء ،ألم تكفك قراءة كتب أبيك العالم الفقيه (تقولها بتهكم ) .
الابن: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ).
ثم يتوجه إلى أبيه القابع خلف مكتبه تعلوه كتب كثيرة .
الأب : أخبرني بما طالعت اليوم .
الابن : طالعت معلقة زهير ،وعنترة ،وامرئ القيس ، وبعض القصص المليئة بالحكم .
الأب: هات مطلع كل معلقة مماذكرت .
الابن: يقول زهير بن أبي سلمى :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ***بحومانة الدراج فالمتثلم
ويقول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم *** أم هل عرفت الدار بعد توهم
ويقول امرؤ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيبومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
الأب : بورك فيك ،وماذا عن القصص التي قرأتها ؟
الابن : كان احمد بن يوسف الكاتب قد تولى صدقات البصرة نفجار فيها وظلم فكثر الشلكي له والداعي عليه ،ووافى باب أمير المؤمنين زهاء خمسين رجلا من أشراف البصريين ،فعزله المأمون وجلس لهم مجلسا خاصا ،وأقام أحمد بن يوسف لمناظرتهم فقال : يا أمير المؤمنين نلو أن أحدا ممن ولي الصدقات سلم من الناس ،لسلم رسول الله –ص- قال الله عز وجل : (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا ،وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) .
فأعجب المأمون بجوابه واستجود مقاله وخلى سبيله .
الأب : وهل اهتديت إلى أثر الإعجاب في الانسان ؟
الابن : إن أثر الإعجاب في الانسان يكمن في حسن دفاعه الذكي .

المشهد السادس

(وهنا تدخل الزوجة وتجعل تصرخ في وجه زوجها )
الزوجة : الناس يجدون ويخوضون في حديث الدينار والدرهم والقصور والمجوهرات ،والأكل الفاخر نوأنتم تسكنون كوخا وتأكلون شعرا وقصصا .
الأب : ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ لما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيا به أبدا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء
الابن : اتقي الله يا أماه،فلقدأهملت واجبك كربة بيت ،واعلمي أنك كما تدينين تداني ،وأسأت الجوار إلى أقرب الناس إليك ،ألاوهو زوجك نفلقد صبر منك على كثير من الأذى ،وكظم غيضه وعفا عنك لأنه يعلم جزاء صنيعهبك ،وهاك ما قاله الرسول –ص- في شأن أمثالك (اثنان لا ينظر إليهما يوم القيامة ،قاطع الرحم ،وجار السوء ) والأكثر من كل هذا أنك رميت كنوز المعرفة في سلة المهملات وتركتها طعما للجرذان ،مع العلم أن أول آية نزلت تدعو إلى طلب العلم ،قال الله تعالى : (اقرأ باسم ربك الذي خلق ،خاق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ) .
واسمعي قول الحسن بن علي رضي الله عنهما : ( تعلموا العلم فإن لم تستطيعوا حفظه فاكتبوه وضعوه في بيوتكم ) .
الأم : (تخر على قدميها ،بعد أن انهمرت الدموع من عينيها وهي تقول : إلهي من أولى بالتقصير والزلل مني .وأنت خلقتني ؟ومن أولى بالعفو منك عني ،أسألك يا إلهي أن تغفر لي وترحمني وتتجاوز عن الذنوب التي كتبت لي .
وفي هذه اللحظات المؤثرة وأمام هذا المشهد الدرامي ،تخرج الجدة من غرفتها راجلة فيهرول الجميع نحوها داعين محتضنين مقبلين .
الاب والابن : يربتان على كتف الأم التي لا تزال جاثمة على ركبتيها ،وينهضانها ،ثم يعمد الأبن إلى احتضان والديه وتقبيلهما ، ليستيقظ الجميع على اختفاء الجدة .....
بقلم الأستاذ : ساعد بولعواد


آخر تعديل وليد عارف الرشيد يوم 05-11-2012 في 03:52 PM.
  

قديم
 










شعار مشروع ( لأطفالنا نحكي )






0 التعليقات:

إرسال تعليق