وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الخميس، 22 نوفمبر 2012

عفاف


عفاف ... للأستاذ عبد المجيد برزاني

كان الشّاب ابنُ الملك في رحلةِ صيدٍ وسطَ غابةٍ بعيدةٍ عن قصر والده، عندما سمعَ بكاءً ونحيبا متقطعا وراءَ شجرةٍ كبيرةٍ. ترجَّلَ الأميرُ عن جوادِه وبدأ يدور حول الشجرة. صار يصيخُ السمعَ في حذرٍ كيْ يعرفَ مصدرَ الصوت، لكن دون جدوى. كأنَّ منْ كانَ يبْكي سَكَتَ أوْ غادرَ المكانَ. جلس الشابّ تحت الشجرة الكبيرة يفكر، بينما كانت أصواتُ حاشيتِهِ وأبواقُهُمْ تناديه وتبحثُ عنه في ذعر شديد. تجاهل كلَّ شيء، ولم يزلْ ينتظرْ حتى أدركَهُ الليلُ في الغابة. لمْ يستطعِ النوم من شدة البرد القارص، لكنه لما غفا في لحظة، أحسَّ أن أحدا، في الظلام يُلْقي عليه كساءً ليدفئَ جسدَهُ، فقام مذعورا وصاح :
- قف! من هناك؟؟ .
انقشع ضوء أنار المكان بشدة، وظهرت فتاة آية من الجمال بثياب وحلي فاخرة. حيته أحسن تحية وقالت له :
- اسمح لي يا مولاي فأنا سبب نومك في هذه الغابة المخيفة والباردة، وأنت الذي ألفت أنعم المضاجع وأريحها..أنا يا سيدي صاحبة النحيب والبكاء الذي سمعته وكنت مصرا على معرفة مصدره.
بقي الأمير مشدوها أمام الجمال الخارق الماثل أمامه في هذا الليل البهيم، وسط هذه الغابة المقفرة. ولما سألها فيم بكائها وقضائها الليل هناك بكت وقالت :
- اعلم يا مولاي أنني جنية ابنة أخ ملك الجن. أحببت ابن عمي الأمير وأحبني. لكن أباه الملك حجبنا عن بعضنا وأجل زواجنا حتى أصاب أميري مرضُ الحب العضال. واتفقت كل ساحرات الجن أن لا شفاء له سوى أن أسقيه بيدي إكسير الحب. وهو عسل ملكة ملكات النحل من بلاد الإنس. فخرجت من ديارنا أطلب ذلك الإكسير حتى ساقتني الظروف لهذه الغابة. لكن الحصول على عسل النحل امر لا يفقهه إلا الإنس ولا علم لنا به نحن معشر الجن.
عندئذ طمأنها الأمير الشاب، ووعدها بأن يساعدها في بلوغ مرادها. وفي الصباح عندما طلب من حاشيته في القصر عسل ملكة ملكات النحل، أبلغوه أن لا أحد يمكن أن يفيده في ذلك سوى أولئك الحطابين الذين يبيعون أعواد الغابة وحطبها. أرسل الأمير الشاب في طلب كل سكان قرية الحطابين، وعندما أطلعهم عن مبتغاه، شرعوا ينظرون لبعضهم البعض في صمت. لم يفهم الأمير فيم سكوتهم فأمر للذي يأتيه بالعسل المطلوب بعطايا تجعله في رغد من العيش طوال حياته وحياة ذويه.
عندها عضوا على أصابعهم متأسفين، وقال كبيرهم :
- يا مولاي، إن الوحيد الذي يمكنه خدمتك هو حطاب منا، لكنه ليس معنا الآن، اسمه "أبو عفاف" . وهو الوحيد الذي يستطيع تحمل لسعات نحل ملكة ملكات النحل، لأنه لم يسبق له أن قطع شجرة من أشجار الغابة، وكان طول حياته يكتفي بالحطب المتناثر بين الأشجار ويقنع بما يجنيه منه دون أن تتأذى الغابة من منشاره. أما نحن، يا مولاي، فاللسعة تقتل الواحد منا على الفور.
استدعى الملك "أبا عفاف" وأكرمه، ورافقه إلى الغابة حيث الإكسير المطلوب. صعد الحطاب إلى أعلى الشجرة ونزل بالقدر المطلوب لشفاء أمير الجن، ناوله للأمير الشاب ورحل.
وعندما ناول الإكسير للجنية الجميلة سألها إن كان ممكنا أن يراها مجددا لينعم برؤيتها ويملي العين بحسنها وبهائها.. فتناولت منه الإكسير وأهدته وردتين، واحدة بيضاء بياض الثلج، والأخرى حمراء قانية كلون الدم وقالت له :
- خذ فإني أهديك زوجة أجمل مني وأوفى، تقضي معها العمر في سعادة لم يعرفها إنسي قبلك.
فقال لها الأمير الشاب :
- وكيف ؟؟
قالت :
- ابحث في فتيات مملكتكم عن كل صبية ذات بشرة بلون هذه الوردة البيضاء واجمعهن. والتي سيتورد وجهها بلون الوردة الحمراء القانية إذا ما أزحت الحجاب عنها، هي زوجتك بإذن الله.
وهكذا اختار الأمير زوجة حسناء لم يُر لجمالها مثيل، بيضاء بشرتها كالثلج، وتتورد وجنتاها وشفتاها بالأحمر كلما اختُلس النظرُ إليها. وفي ليلة الزفاف طلب الأمير أن يتعرف على صهره أب زوجته، فأدخلوه عليه فإذا هو الحطاب " أبو عفاف " . ذهل الأمير ولما سأله عن سر جمال ابنته قال له :
- كنت يا مولاي قطعت عهدا على نفسي أن لا آخذ من الغابة ومن الطبيعة إلا ما أنا في أمس الحاجة إليه، ولما رزقت بابنتي عفاف هذه لم أكن أتوفر إلا على رزق ذلك اليوم. ومرضت زوجتي من النفاس، فهممت بقطع بعض الأشجار لأزيد في الرزق ما أواجه به متطلبات تلك الأيام العصيبة. لكن ما أن ضربت جذع الشجرة حتى سمعت صوتا يناديني: وما تترك للذي بعدك؟
فصرفت النظر، وجلست تحت نفس الشجرة أبكي. عندئذ نزلت من أعلى الشجرة سيدة ذات جمال خارق قالت أنها ملكة ملكات النحل، ورافقتني إلى شجرة عسلها وأعطتني منه ما أشفى زوجتي. وأهدتني وردتين واحدة أوراقها بيضاء أوصتني أن أمسح بها وجه ابنتي ليلا والأخرى أوراقها حمراء قانية أمسح بها وجه الطفلة نهارا .. ولم يمض شهر حتى أصبحت زوجتي على صحة جيدة وابنتي بهذا البهاء الذي تراه. ولم تمض سنين حتى أصبحت صهر الملك. فضحك الأمير وعانقه وأسكن جميع أفراد الأسرة معه في القصر.



آ

0 التعليقات:

إرسال تعليق