وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الأحد، 9 ديسمبر 2012

الدبلوماسي المخضرم والمفكر الألماني المسلم الكبير مراد هوفمان، يتكلم اليوم عن الربيع العربي و زمالته مع الرئيس الشاذلي و أمور أخرى




الدبلوماسي المخضرم والمفكر الألماني المسلم الكبير مراد هوفمان، يتكلم اليوم عن الربيع العربي و زمالته مع الرئيس الشاذلي و أمور أخرى
حاوره : محمد مصطفى حابس


بعد حوارنا المطول منذ 3 سنوات خلت مع الدبلوماسي المخضرم والمفكر الألماني المسلم الكبير مراد هوفمان ، و المنشور في يومتي الزمان اللندنية و البلاد الجزائرية، يتكلم الدكتور هوفمان اليوم عن الربيع العربي و زمالته مع الرئيس الشاذلي و أمور أخرى منها قوله أن:

مراهنة بعض الدول العربية على التسلح المفرط وعسكرة المنطقة، خيار انتحاري لأجيال بريئة، والربيع العربي، شمس بزغ فجرها أخيرا على المنطقة بعد ليل استعمار غاشم واستقلال ناقص !!
- الرئيس الشاذلي تحسب له انتقاله السلمي من العسكرتية إلى السياسة وهو أول حاكم عربي يسمح بترخيص لحزب إسلامي،
- الغنوشي مفكر قدير لما زرته في منفاه في بريطانيا، قلت له خسارة لتونس أن تبقى في الغرب، وهو اليوم يقوم في بلده بعمل جبار وصعب للغاية.
- فض نزاع الصحراء يحل على الطاولة مع الوقت من خلال التفاهم الاخوي بمساعدة الهيئات الدولية كالأمم المتحدة ..
- دور إيران مصيري لحل المشكلة السورية، وعليها أن تراهن على البرامج والمؤسسات لا على الرجال والنظم.
- بعد أن رفضت ألمانيا دعم ترشحي للحلف الأطلسي، لأني" مسلم" ، فزت كأحسن شخصية ألمانية وبعدها بسنة انتخبتني" رابطة العالم الاسلامي" كأحسن شخصيات العالم الاسلامي، باقتراح من الشيخ زايد،..
- إسهامات المفكر النمساوي اليهودي الاصل محمد أسد (ليوبولد وايس) نظـّرت للواقعية الاسلامية في الغرب.

حاوره في ألمانيا: محمد مصطفى حابس
بعد الحلقات الـ4 الاولى لحوار"البلاد" المطول الشامل مع الدكتور هوفمان بتاريخ جوان 2009 ، أي منذ قرابة 3 سنوات خلت ، حول الإسلام والمسلمين في الغرب وآرائه ومواقفه من القضايا المعاصرة والعلاقة بين الإسلام و الغرب وإمكانية التفاعل و/أو التعايش بينهما، ومستقبل الإسلام في ديار الغرب، مرورا بوضعه الحالي كمتقاعد ومعرجا على ذكرياته من عهد ثورة التحرير الجزائرية المباركة، حيث يقر فيها فعلا أن "نصف قلبه في الجزائر"، و أنه "أدرك إنسانية الجزائريين في اصدق صورها و أنبلها، حينما تعرضت زوجته للإجهاض تحت تأثير "الأحداث الاستعمارية" لما تطوع سائق تاكسي جزائري لا يعرفه، للتبرع بدمه لزوجته الامريكية في أتون حرب التحرير، كما خلص إلى قناعة أن :"اتفاقيات إيفيان أقصى ما كان بالإمكان تحقيقه" و كيف "صدت الابواب في وجهه لما عرض المساعدة لتوثيق تاريخ ثورة التحرير على وزراء الجزائر".
هذه محطات أخرى وصفحات مشوقة من حياته الثرية المتنوعة، حيث يكلمنا عن الإسلاموفوبيا وواقع المسلمين و مستقبلهم على اثر الربيع العربي و إفرازاته في الغرب، و أمور تاريخية أخرى مهمة كعلاقته بالرئيس الشاذلي و الرئيس بن بلة (رحمة الله عليهما)، وقضية الصحراء الغربية وإفرازاتها.

بعد هذه السياحة الفكرية المعرفية التاريخية الشيقة الشاملة منذ قرابة 3 سنوات خلت التي نورت بها القارئ العربي عبر صفحات يومية البلاد الجزائرية في اربع حلقات على مدار شهر كامل من عام 2009، لو تكرمتم أستاذنا ، تعالى نحط رحالنا، في واقع الناس اليوم، وتحديدا في الضفة الاخرى من المتوسط، هذه سنتين تقريبا مرت من عمر الربيع العربي، الذي خلخل عروشا وزلزل أخرى! كديبلوماسي عارف بخبايا العرب والمسلمين، هل هذا تغيير فعلي أم " مساحيق تجميل" صدرها لنا الغرب؟


الدكتور مرادهوفمان:


الانسان هو الانسان.. نفسه في الشرق كما في الغرب.. والرغبة هي هي .. كما أن الاحلام هي هي.. صحيح يمكن أن تكون هناك تأثيرات خارجية خفيفة، لكن غريزة الحرية متأصلة في البشر، و الربيع العربي، شمس بزغ فجرها أخيرا بعد ليل استعمار غاشم و استقلال ناقص، أمل أن تستفيد من نورها شعوبنا في الضفة الاخرى من المتوسط، بداية من تونس ومصر و ليبيا و غيرهم..
( مقاطعا) .. لو تكرمتم نناقش تجربة كل دولة على حداها، بالنسبة للتجربة التونسية، تجربة إسلامية في مجملها بقيادة الشيخ راشد الغنوشي، بالاشتراك مع علمانيين، مثل منصف المرزوقي، هل لك بعجالة من تعليق على شخصية الرجلين و هل التقيتهما؟


الدكتور مرادهوفمان:


المعذرة .. المعذرة .. لمناقشة تجارب هذه الدول كل على حداها! عد إلي في مناسبة أخرى، ونأخذ الوقت الكافي، على طاولة شاي، تحت خيمة صحراوي! (يضحك).. لأن كل تجربة لها عواملها الذاتية والموضوعية وتربتها الخاصة ووقتها ومحيطها، و..و.. وردا على الجزئية الاخيرة فيما يخص الرجلين، الشيخ راشد الغنوشي أعرفه، فهو فعلا رجل مثير للإعجاب، ومفكر قدير أعجبني كثيرا لما زرته في منفاه في بريطانيا، وقلت له حينها خسارة لتونس أن تبقى هنا في الغرب، وهو اليوم يقوم في بلده بعمل جبار وصعب للغاية، أدعو الله له ولإخوانه ولتونس بالتوفيق.. أما الدكتور المرزوقي، لم أتعرف عليه و لم ألتقيه، لكن من خلال ما حدثتني عنه أنت لما التقيته على هامش ندوة استنبول، يبدو أنه رجل أصيل و له مبادئ رغم علمانيته..
( مقاطعا).. أنا ألتقيت الاستاذ منصف المرزوقي سنة قبل الثورة التونسية تحديدا ، كنا سويا في ندوة حقوقية دولية بتركيا، وقد خرج معي بعد صلاة العشاء نتفسح على ضفاف بحيرة استانبول، ودردشنا لوحدنا حول تونس والجزائر ووضعية حقوق الانسان و الحريات عموما في العالم العربي، ولما استفسرت منه هل يفكر في الترشح مرة أخرى للرئاسيات التونسية، أو حتى العودة لمحاولة "التصليح" من الداخل، ما افسدته سياسة بن علي وشلته، قال لي بالحرف الواحد." لئن يئس الشيخ الغنوشي من العودة، وهو الذي يملك فيالق من المناصرين وأعضاء حركة النهضة كثر، مقارنة برجل مثلي، أعيش بين التدريس و تصفح المواقع، وأكتب دفاعا عن أفكاري و حرية مواطني بلدي و.."، لكن سنة بعد هذا الحوار في المهجر، أصبح رئيسا لتونس!!

لدكتور مرادهوفمان:


( مقاطعا) .. سبحان مغير الاحوال، المستقبل لا يعلمه إلا الله، أرأيت ، من كان يظن بعد كلامه هذا معك قبل سنة من بداية الثورة، هل يعود لتونس أم لا، وأنتما في تركيا، ومن كان يظن أن "بن علي" سيرحل بعد سنة وهو الذي أخاط دستورا على مقاسه، ليبقى رئيسا مدى الحياة، مسلطا على رقاب الشعب التونسي المسالم! فعلا المستقبل بيد الله، لا يستطيع أحد التكهن به!..
( مقاطعا) ..و في نظرك لماذا لم تسلم السعودية ، الرئيس المخلوع للعدالة التونسية أو الدولية، لحد اليوم؟

لدكتور مرادهوفمان:


لا أدري تحديدا لماذا، لكن تركه في السعودية يعتبر خدمة كبيرة مقدمة لتونس ليستقر وضعها أحسن.. لا تنسى أن هذه رغبة أمريكا أيضا، فيما سمعت من تحاليل..
أما فيما يخص مصر، الإسلاميون في الحكم نعم لكني أظن أن سياسة التجديد أمتن وأنضج في تونس عنها في مصر، لان النظام المصري القديم، عشش كثيرا، وافسد كثيرا ..و الوضع الجيوسياسي لمصر لا تحسد عليه !..
( مقاطعا) .. وماذا عن ليبيا، يقال ايضا أن فرنسا هي التي أجهزت على القذافي في آخر لحظة اعتقاله من طرف الثوار، لإخفاء أو طي الصفقات البترولية بينهما، وقد تناقلت أخيرا وسائل الاعلام أن القذافي هو الذي مون حملة انتخاب ساركوزي، ماذا تقول في هذه الأمور ولماذا لجأت عائلة القذافي للجزائر تحديدا؟

لدكتور مرادهوفمان:


فيما يخص ليبيا، أنا لم ازرها مطلقا، ومشكلتها اليوم نقص الاطارات والكفاءات مقارنة بجيرانها، وهو راجع لسياسة القذافي الانفرادية الرعناء كما يعلم الجميع، أما قولك أن وسائل الاعلام تقول أن فرنسا من وراء الاجهاز على القذافي، محتمل جدا لان الحروب ليست نظيفة، أما فيما يخص تموين حملة سركوزي من طرف عائلة القذافي، فإن صدقت الرواية، فهذا عين الغباء، أن يقبل رئيسا لدولة ما، تموينا أجنبيا لحملته، وهو يعلم أنه سيكشف حتما يوما ما، حتى من أقرب الناس إليه، لمّا يختلف معهم.. أما لجوء عائلة القذافي للجزائر، فمنفذهم الوحيد صحراء الجزائر، وعلاقات قديمة بينهما، والجزائر لها فائدة في ذلك، لا تنسى أن ماضي الجزائر التشرد واللجوء أثناء الثورة، ويعرف الجزائري قبل غيره معنى أن يكون مطاردا، وبلا سقف يأويه..

أنظر إلى اليمن، صاحبهم "علي صالح" خرج بيسر.. لا علاقة للإسلام في ذلك طبعا، هذه عشائر، وحلول العشائر غير منصفة عموما..


الشقيقة المملكة المغربية اليوم، هي أيضا لها حكومة جل أفردها من حزب اسلامي.. لقد كنتم سفيرا لبلدكم بها، ماذا تقولون في ربيعها ومستقبل زواج حكم الملكية مع الاسلاميين؟ بعض التحليلات الغربية تقول أن محمد السادس أخر ملك يحكم المغرب؟ و ماذا عن قضية الصحراء المتنازع عليها مع البوليزاريو؟




لدكتور مرادهوفمان:


العلاقة بين الملك والحكومة، نظريا مقبولة، وعمليا الملك هو المتصرف الرئيسي، أولا و أخيرا، في شؤون المغرب.. أم الترويج على أنه آخر ملك يحكم المغرب، فهذه الامور غيبية ، و الغيب عند الله سبحانه والمستقبل هو الذي يحدده.. هناك طرق و نماذج في حكم المملكات، يضيق الوقت لشرحها، لكن كل شيء ممكن.. أما قضية الصحراء الغربية أو المغربية كما يحلو للأشقاء المغاربة تسميتها، فالمغرب لا يستطيع مغادرة الصحراء، لأمور اقتصادية بالدرجة الاولى، فالبترول موجود بكميات كبيرة في المنطقة وحتى في البحر، ومنفذ مهم للمغرب على المحيط الاطلسي.. كل هذه الامور تجعل أي حاكم أو ملك لن يسمح بسهولة أن تنفلت منه هذه الخيرات.. لكن كدول مسلمة في المنطقة يمكن إيجاد صيغ توافقية وتعايش بين الشعوب..

من الجهة الاخرى، لا أظن أن الجزائر اليوم وفي هذه المرحلة بالذات تفضل أو تراهن على خيار العمل المسلح لفض النزاع مع المغرب، رغم أنهما يلهثان جميعا لعسكرة المنطقة .. والمشكل يحل على الطاولة مع طول الوقت بل مدة أجيال من خلال التفاهم والتوافق عبر مواثيق الدولية بمساعدة الهيئات الدولية كالأمم المتحدة، إن كان لهذه الاطراف نية صادقة للرقي بالمنطقة نحو سلم دائم ، بحول الله ..



و على ذكر الامم المتحدة، ماذا عن سورية الشهباء! اليوم آلاف الموتى، وعشرات الالاف مشردين، ووساطات لم تجدي شيئا، والسيد الاخضر الابراهيمي مبعوث الامم المتحدة لسوريا عاد بخفي حنين، هل يمكنه فض النزاع في جولات أخرى؟ متى وبأي ثمن من الارواح؟ وماذا عن دور إيران ولبنان في القضية؟




لدكتور مرادهوفمان:


لكل بلد همومه وخصوصياته .. مشكلة سوريا عميقة ومتشعبة، ووضع البلد مؤلم للغاية وخطير جدا.. البلد مقسم لعدة عشائر وديانات ومذاهب و لغات!! هناك التركمان، العرب، الشيعة، السنة، العلويين!! كل هذا الخليط، يجعل من سوريا فعلا بلدا غير متجانس المكونات بامتياز وغير مستقر البتة.. لقد استطاع الأب - حافظ الاسد - اللعب على هذه المكونات، أما اليوم فالأمر أصعب بالنسبة للابن .. وعلى ذكر لبنان، أظنك تقصد "حزب الله"، هنا يصعب علي التكهن لان حزب الله ليس دولة، لكن حركة يصعب رصد مواقفها، أما بالنسبة لإيران، فموقفها صعب جدا هي أيضا، فسوريا تعتبر بالنسبة لإيران حليف استراتيجي وموقعها الجغرافي يعد منفذا لطهران على البحر الابيض المتوسط لتسويق بترولها، لذلك دور إيران حيوي ومهم لحلحلة المشكلة السورية، وبالتالي عليها أن تراهن على البرامج والمؤسسات لا على الرجال والنظم، و"لا تزول الدول بزوال الرجال" كما يحلو لبعض الساسة ترديده في عصرنا الحاضر.. وايران تملك أوراقا لجمع السلطة السورية والمعارضات في الداخل والخارج حول طاولة الحوار، إن أرادت ضمان الاستقرار في المنطقة..



وما نصيب دول الخليج وشعوب المنطقة عموما من الربيع العربي؟




لدكتور مرادهوفمان:


عموما هذه المنطقة، جلها مملكات، وهناك أقليات سكانية من أهل البلد والبقية أيادي عاملة ووافدة، عموما لها اكتفاء مالي، ينسيها في السياسة أو المطالبة ببعض الكماليات و لو مرحليا، و بالتالي ناك استقرار نوعا ما ولو محتشم ..



( مقاطعا) .. لكن في المدة الاخيرة الوضع تغير، هناك تظاهرات في البحرين، اخير أيضا في الامارات- التي لك علاقات مميزة مع رئيسها المرحوم الشيخ زايد- دولتهم اعتقلت ما يزيد عن 60 محامي وحقوقي لانهم أمضوا وثيقة تطالب بالإصلاحات والحريات، فوجدوا أنفسهم ليسوا فقط في "بيت يوسف" كما يقال، بل جرد بعضهم من الجنسية الإماراتية، ونفي بعضهم الاخر، وجمدت حتى أرصدت عائلاتهم وأقاربهم الذين ليس لهم لا في العير ولا في النفير، وهذا اغرب من الخيال على شعوب الخليج المسلمة المضيافة؟ أين نحن من قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى} ؟ واليوم فقط وصلتني عريضة توقيعات من منظمات إنسانية للمطالبة بإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان في دولة الإمارات، هل توقعها معي ؟




لدكتور مرادهوفمان:


( مقاطعا .. متبسما ) .. عذرا ، عذرا، أستاذ مصطفى.. كما أجبتك قبل قليل، المنطقة لها خصوصيتها، والنظام العشائري، لازال موجودا في هذه البلدان، أما قولك أن الامارات تعتقل محامين و حقوقيين .. فهذا ممكن مع الحكام الجدد الذين لا أعرفهم منذ رحيل الشيخ زايد، لكن أقول لك، تعرفت على الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، شخصيا، وهو رجل حكيم وشهم، لا شك في ذلك.. أحكي لك قصة عشتها معه، أنت تعرف أني كنت مسؤول الاعلام في الحلف الاطلسي، بعدها رفضت المانيا ترشيحي لأكون مسؤولا عن ذات الحلف في بروكسل، في تلك السنة رشحتني مؤسسات شعبية وعمومية وفزت كأحسن شخصية ألمانية، لما سمع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله - بخبر" فوزي كأحسن شخصية ألمانية، وأنا مسلم، قال "المسلمون أولى بتكريم هذا الديبلوماسي الالماني المسلم"، فاقترحني على رابطة العالم الاسلامي لأكون شخصية العالم الاسلامي للعام المقبل، ووافقت كل الدول الاسلامية باقتراح الشيخ زايد بن سلطان - رحمه الله- ، ولما حضرت لتسلم الجائزة أمام ممثلي الدول والبعثات الديبلوماسية في الإمارات العربية المتحدة ، وبدل أن يعطى لي هدية رمزية أو شيء من هذا القبيل كما هو معتاد، أعطي لي كيس كبير فيه ما يقارب الربع مليون دولار دراهم ورقية!! فقلت لهم لماذا لا تمنحوني صك بنكي "خفيف"، بدل هذه الاكوام من الاوراق النقدية، ثقيل حملها من الامارات لألمانيا، إرحموني ..( يضحك)، فأجابني ممثل الملك بقوله، فضلنا الدراهم على الصك البنكي لكي لا تأخذ منك الدولة الالمانية ضرائب وعمولات إضافية أخرى! فأجبته" بل أعطوني صك بنكي، أنا أحب الشفافية، ونصيب الضرائب يذهب لأصحابه المحتاجين في الادارة الالمانية، والبقية سوف أسلمها للمسلمين الالمان"! و فعلا سلم لي شيك بدل الدراهم، وسارت الامور كما أردها الله، ولما وصلت لألمانيا، حولت المبلغ كاملا إلى إخواني في "المجلس الاسلامي الالماني" ، ولم أخذ منهم ولو فلسا واحدا لنفسي.. لذلك فضل الشيخ زايد وحكومته على المسلمين في الشرق و الغرب معروف للعام و الخاص، حتى عندكم في سويسرا والعديد من دول الغرب موّنت فيها الامارات مشاريع ومراكز إسلامية للجالية ..

أما فيما يخص التوقيع على العريضة لإطلاق سراح سجناء الراي ، فأنا ضد اعتقال من يخالفني في رأيي، حتى و لو كان من بلد غير بلدي ودين غير ديني.. وقد وقعت العديد منها و مستعد أن أمضي العشرات لأن الله عز وجل كرم بني آدم، في مثل قوله تعالى :" ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا". لاحظ، قوله تعالى "ولقد كرمنا بني أدم"، ولم يقل و لقد كرمنا بنو فلان أو علان.. أو المسلمين، لا أبدا .. تكريم لكل البشر، بغض النظر عن العرق و اللون و الجنس و ...

لذلك أنا أحاول دئما ، في كتاباتي، التفريق بين عالمنا الإسلامي أو الأمة المسلمة، وقبائل تنتمي للإسلام.. والغرب خائف على أوروبا من أن يصبح مسلموها أمة واحدة، فكلمة "أمة" فقط تخيفهم، أوروبا تسعى لجمع شتاتها اليوم، لكن لا تفتح أبوابها للإسلام الذي يعد قيمة إضافية مهمة.. ومحور طنجة - جكارتا الاسلامي في مواجهة مخططات التغريبين يمتلك مؤهلات حقيقية لبناء حضارة مع الاخر، لما يتمتع به هذا المحور من كثافة التاريخ المستند الى مشترك فاعل وحيوي فهذا المحور هو المجال الحيوي لنشاط المثقفين المسلمين من اجل النهوض بالأمة وإخراجها من فلك العبودية والارتهان للغرب..



ومع كل هذه الزوابع والهزات والتغييرات، الجزائر بقيت في خندقها، لم تمسها نسائم الربيع العربي، هل لذلك تفسير في نظركم؟


لدكتور مرادهوفمان:


باختصار شديد، الذاكرة الجزائرية لازالت غضة تحتفظ بكثير من المشاكل، و الكدمات والجروح لازالت لم تندمل بعد، فالشعب الجزائري عموما لازال مرهق ومتعب من العشريات الاخيرة، يحتاج لبعض الوقت، لا أدري كم ، لكن الشعب الجزائري له هو أيضا خصوصياته، فلننتظر، و إن غدا لناظره قريب، ..



معالي السفير، الجزائر فقدت هذه الاسابيع الاخيرة الرئيس الشاذلي بن جديد وقبله الرئيس أحمد بن بلة، الرئيس الشاذلي لم ألتقيه شخصيا مطلقا إلا مشاهدة من خلال وسائل الاعلام، لكني ألتقيت الرئيس بن بلة شخصيا في العقدين الاخيرين بحكم تواجدنا ليس في بلد واحد ، بل في مقاطعة واحدة، والذي أعجبني فيه تواضعه الكبير، وأخلاقه العالية وخاصة تنسكه في العشر الاواخر من رمضان في المدة الاخيرة .. ممكن أن أختلف معه سياسيا في بعض الامور، لكن الرجل في آخر حياته كان مؤمنا، رغم أن بعض الساسة الذين "لعبوا به " في بعض الامور كما يروج في الشارع العربي، أو استغلوه إن صح هذا التعبير.. وأنت معالي السفير ماذا تقول عنهما، وعن الرئيس الحالي؟


لدكتور مرادهوفمان:


أنا التقيت بالرئيس الشاذلي العديد من المرات بحكم شغلي في الجزائر، في زياراتي الرسمية جلست معه وتجاذبنا أطراف الحديث حول بلدينا والعالم الاسلامي والمجاملات الديبلوماسية كما هو معهود في مثل هذه اللقاءات، فالشاذلي رجل مؤمن لا يتكلم كثيرا، وحتى حياته العملية لم يبهره في فترة حكمه التكتيك الشيوعي، مثل الرئيس بن بلة، فهذا الاخير لم التقيه مطلقا حتى لما هاجر لسويسرا، إلا أنه مشبع بالأفكار الماركسية وبالتجارب الشيوعية في مرحلة حكمه و بعدها بقليل ، عموما حسب قراءاتي ومعلوماتي، فأثناء حكمه خاصة لا يرى مستقبلا لبلاده، إلا في ظل الحكم الشيوعي، ممكن أن تفند كلامي هذا بقولك أن "الشيوعية" في تلك الفترة كانت موضة عصرية بالنسبة للدول المستقلة حديثا و دور المعسكر الشيوعي السوفياتي و حتى العربي و زمالته مع جمال عبد الناصر، لكن هذا واقع والتاريخ سوف يدون له صفحات مشرقة أو رمادية له أو عليه لا أدري، لأني لم أجلس معه مثلك ومثل أناس آخرين.. نفس الكلام ينسب على أي رئيس آخر، والرئيس الشاذلي أيضا، تحسب له في سجله انتقاله السلمي من العسكرتية إلى السياسة، وهذا نادرا ما يفلح فيه رجل ولد وترعرع وشاب في الثكنات العسكرية ومر بكل الرتب و الوظائف العسكرية.. كذلك فهو عموما يعد من أباء التعددية السياسية في الجزائر، لأن الشعب الجزائري ناضج ويستحق تلك الحرية ، ولا ننسى أنه هو أول حاكم عربي يسمح بترخيص لحزب إسلامي...وهذه تعد ثورة في الافكار تحسب له، رحمهما الله جميعا.

أما عن الرئيس الجزائري الحالي، فقد استطاع أن يرجع الهدوء للوطن بعد حرب أهلية، وهو أمر مهم، لكنه لم يفلح بعد عهدتين من الحكم في تطوير الهياكل الديمقراطية للدولة الجزائرية الحديثة، من مخلفات ورواسب الاستعمار الفرنسي..



على ذكر المستعمر الفرنسي، هذه الاسابيع الاخيرة فقط ، و تحديدا يوم 17 أكتوبر، اعترفت فرنسا لأول مرة في تاريخها على لسان رئيسها الجديد "فرانسوا هولند"، بمجزرة 17 أكتوبر 1961 التي ارتكبتها المستدمر الفرنسي في حق آلاف الجزائريين في باريس، لكنها في ذات الوقت ترفض حتى الساعة تسليم أرشيف الثورة للجزائريين، لماذا وما تعليقكم؟




لدكتور مرادهوفمان:


التاريخ ذاكرة الشعوب، وهو حق لا يناقش ولا يساوم عليه، إلا أن الوقت لم يحن بعد في نظر فرنسا - حسب تقديري-، ومنطقيا العديد من مجرمي الحرب لا زالوا أحياء، وفرنسا لن تغامر بكشف أسماء وخرائط و ووثائق .. فرنسا لا تريد، بل على الاقل هذا الجيل لا يريد أن يضحي بسمعتها في الحافل الدولية و عواقب أخرى... أما الاعتراف الاخير للرئيس هولندا بمجزرة 17 أكتوبر 1961، فقد جاء متأخرا..



على ذكر فرنسا ، المسلمون في فرنسا عموما والناطقين بالفرنسية في العالم أجمع، افتقدوا هذه السنة رجل قدم للمسلمين ما عليه من جهد فكري محترم، هذا الشخص هو المرحوم روجي أو رجاء قارودي، الذي لم ترحمه فرنسا حتى وهو ميت، بحيث أحرقوه، لا أدري لماذا، وقيل أنه خرف نوعا ما، في آخر سنوات عمره.. !!




لدكتور مرادهوفمان:


إنا لله و إنا إليه راجعون، سمعت أنه انتقل لرحمة الله ، لكني لم أسمع بقضية الحرق هذه ، و أين هم المسلمون الذين يعرفونه، أمثال الدكتور العربي كشاط و السيد...



( مقاطعا) .. الدكتور العربي كشاط، سمعته في تسجيل فيديو مباشر، بمناسبة ندوة تأبينييه للمرحوم رجاء قارودي نظمتها في الجزائر، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد نفى حينها أن يكون قارودي، قد خرف، و قال أنه كان في كامل قواه العقلية!.. هل تعرفت أنت على المرحوم قارودي؟


لدكتور مرادهوفمان:


تعرفت عليه، رحمه الله، مرات معدودة في الجزائر وفرنسا وهو لا شك موسوعة وقامة فكرية معتبرة، لكني أختلف معه، في جزء من تحليلاته بحيث لا يزال عالقا بذهني في حوار جرى بيننا.. هو يتجنب في تقديري الرجوع لبعض روايات السنة الشريفة، ولا يعتد ببعضها الاخر، بل يركز خاصة على القرآن، لا ادري لماذا، ربما يكون قد غير رأيه ـ في آخر سنوات حياته ـ باحتكاكه بعلماء المسلمين في الغرب، أمثال الدكتور العربي كشاط، كما كنت تذكر لنا قبل قليل.. لأن السنة ترجمان القرآن، ولا فهم للإسلام إلا بالعودة للسنة النبوية الشريفة، وقد فصل العلماء في ذلك، فيما يعتد به من آثار السنن والسير..

وعرف عن غارودي خاصة دفاعه عن الإسلام والوقوف في وجه حملات تشويه في الغرب. كما يُشهد له بمناهضة الصهيونية، طبعا لا ننسى أيضا أن تاريخ غارودي معروف ومحبوب لدى العرب عموما والجزائريين خصوصا، وهو أيضا أحب الجزائر وأحب شعبها، و يبدو حتى من قصة حياته، التي يذكر فيها، حينما كان جندياً فرنسياً ضمن قوات الاحتلال للجزائر ، ووقع مع مجموعة من الجنود أسرى في أيدي الثوار الجزائريين ، وحدث تمرد من الأسرى الفرنسيين في معسكر الاعتقال ، فأمر قائد المعسكر بإطلاق النار على المتمردين وكانت السرية الجزائرية المكلفة بإطلاق النيران عليه هو مع زملائه من المسلمين وفوجئ بهم يرفضون إطلاق النار على الأسرى وهو من بينهم، وسأل حينها قائد السرية لماذا فعلوا ذلك ؟ فقال له : لأننا مسلمون ، ومن العار أن نطلق النار على أسير أعزل لا سلاح معه، وكانت الصدمة الأولى التي زلزلت حياته، كما كتب، ومن ذلك التاريخ عرف أن الإسلام هو الذي انقذ حياته .. وعمره آنذاك 28عاما وظل بداخله هذا الوازع الديني حتى اعتنق الإسلام عام 1982، وعلى يد من، أيضا على يد إمام جزائري في سويسرا، الإمام الشيخ محمود بوزوزو، رحم الله الجميع.



على ذكر إمام سويسرا، لو نعود لتجربة رواد الصحوة في الغرب أمثالكم، وأمثال عصام العطار والعربي كشاط، والعشرات الاحياء والذين رحلوا كفيصل مولوي و الشيخ محمود بوزوزو والدكتور سعيد رمضان وحميد الله وغيرهم .. لما أقرأ تجاربهم الواعدة أخلص إلى محصلة مفادها، أن الإنسان مدني بطبعه، ومجبول بفطرته على التواصل مع محيطه الإنساني والمادي، ولا يمكن له أن يعيش عيشة هانئة في ديار الغرب بمفرده، كما لا يمكن له أن يجد للحياة طعما إذا عاش بمعزل عن الناس، واستغنى بفكره وذاته عن محيطه والعالم الذي حوله، ذلك لأن صحة الأبدان وأمن الأوطان ورغد العيش هي مقومات الحياة، ولذلك قال الرسول(ص):{من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها}، و مقومات الحياة هذه جلها متوفرة في ديار الغرب بنسب متفاوتة، من هذا المنطلق تأتي ضرورة حوار الحضارات أو الحوار مع الآخر، وحتى لا يكون حديثنا عن الحوار حديثا في المطلق، يجب أن يكون حوارا فكريا حضاريا، هو المعين الصادق للأصالة الإسلامية...هو الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بالتي أحسن لا التي هي أخشن...هو القدرة على دخول العقول و القلوب...هو البناء لهمم الرجال بعد التأسيس الروحي...هو الوقاية ضد جميع الهجمات الوافدة.. و بكلمة واحدة، الحوار مع مراعاة "فقه الواقع" هو أداة الإقناع المثلى لأهل الشرق والغرب.. على ضوء هذه التعاريف هل لكم أن تشرحوا لنا كيف أسستم لـ"فقه الواقع" مع تعدد فهوماتكم وقناعاتكم؟




لدكتور مرادهوفمان:


( مقاطعا ) .. عذرا هذا يتطلب محاضرة كاملة .. لقد تطلب الامر منا جهدا كبيرا، ووقتا طويلا، لأنه كل من يفد للغرب، خاصة من إخواننا العرب، يأتي بقناعات كأنها قرآن لا تناقش ونحن نعيش في المسجد الواحد، متعددي الجنسيات واللغات و المذاهب والفهومات علما أننا أقليات؟.. ولإخراج هذه الأقليات من عزلتها ولكي تغادر خلافاتها الصغيرة وتنخرط في الحياة القائمة، وتبحث لها عن حلفاء وأصدقاء وتخرج لها متحدثين باسمها أكفاء يحملون راية الوسطية كما جاء بها القرآن الكريم: [ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا] .



رغم ذلك يبقى الطريق متعرج المسالك، و نور النفق لا يزال بعيدا، لكن يبقى أن الغرب جزء من أمة الدعوة يحتاج إلى أنوار فقه جديد تتظافر فيه جهود واجتهادات مختلف علماء الأمة من شتى المذاهب الإسلامية ومن كل أصقاع المعمورة، تجديدا لهذا الدين، عملا بقول سيدنا محمد (ص) القائل {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها}، وقول الله تعالى: [وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ].



( مقاطعا) .. صدقت ومما زاد الطين بلة جهل العديد من المنتسبين للإسلام بأولويات العمل الإسلامي في الغرب، متناسين أن النص القرآني معجزة كله. وكما يحلو للإمام محمود بوزوزو، رحمه الله (من تلامذة العلامة بن باديس)، تكراره في حلقاته ونحن شباب في الثمانينات من القرن الماضي، ما ملخص قوله: "أن في القرآن الكريم الإعجاز البياني والعلمي كما فيه من الإعجاز التشريعي والإصلاحي، وإذا كان الأوائل وقفوا في بعض النصوص عن ما تتيحه الألفاظ، فإن من المتأخرين من أعاد قراءة هذه النصوص، فكشفوا عن معجزات علمية خدمت العقيدة خدمة جليلة، ولا ريب أن يصل الأواخر في ذلك إلى ما لم يصل إليه الأوائل، وإذا ساغ ذلك في مجال العلم فهو سائغ في مجال التشريع بلا شك، بل قال ابن عبد البر:" ليس أضر على الدين من مقولة: لم يترك الأوائل للأواخر ما يقولون فيها." !




لدكتور مرادهوفمان:


أحسنت .. صحيح .. باب الاجتهاد مفتوح و باب التجديد مشروع ومشرع الابواب على مصراعيه ، لذلك أنا وصلت لقناعة منذ عقود خلت، أن مستقبل هذا الدين و تجديده يأتي من الغرب و ليس من المشرق، أي من مسلمي أمريكا أو أوروبا، لأن بعض فهومات بعض منظري المشرق بها رواسب تراثية، لا تنظر بشمولية للواقع المعيش من كافة جوانبه الحضارية الاجتماعية والاقتصادية والتربوية و ... فنظرتهم تبقى حبيسة واقعهم. أما الغرب ففيه تحديات كبيرة يجب البحث لها عن حلول منطقية بعيدا عن العاطفة .. هذا الذي جعل أستاذي محمد أسد، رحمه الله، يقوم بعمل جبار، عالمي، فقد عايش هذه التجارب على مرارتها في باكستان والهند وفي أدغال إفريقيا وفي أوروبا.. بكلمة واحدة إسهامات محمد أسد نظـّرت للواقعية الاسلامية في هذه الديار وفق خصوصيات كل مجتمع، لذلك فمسلمي أمريكا اليوم يعيشون على فكر أو مدرسة محمد أسد، التي يرتشف من منابعها كثير من مسلمينا هناك على تنوع مشاربهم، ربما الاقرب لذلك إخواننا من "المعهد العالمي للفكر الاسلامي" و "مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية" (كير) و (إيكنا) و غيرهم، لان أمريكا لم يلوث تريخها كثيرا مثل ما هي عليه أوروبا بماضيها الاستعماري البغيض و الديني المتحجر، فنظرياته وكتاباته قبلت دون خلفية ، أما في أوروبا تصور كتبه لم تترجم للفرنسية إلا أخيرا، وحتى أنا كتبي لم تترجم للفرنسية و رفض بعض المنتسبين للإسلام في باريس تحديدا أن تسوق حتى في المكتبات! أما باللغات الاخرى كالإنكليزية والالمانية وحتى العربية فالحمد لله .. والاغرب من كل ذلك كتب محمد أسد ذاته، كانت مرفوضة في السعودية وهو الذي أفنى زهرة حياته مدافعا عن الاسلام ومساعدا و مترجما حتى للملك عبد العزيز و فيصل، رحمهم الله.. وأخيرا فقط - منذ عقدين تقريبا - عرفوا قيمة الرجل، وصدر فيلم توثيقي عن سيرة حياته في منطقة الحجاز، نقلا عن كتابه المعروف "الطريق إلى مكة"، جميل لو يقرأ هذا الكتاب وكتبه الاخرى شباب اليوم في العالم أجمع و ليس الاسلامي فقط، ليدركوا بعد نظر رجل كان يهوديا نمساويا، فجعل الله منه إنسانا يشرف بني الإنسان في الغرب..؟ أي إيمان ، أي عزم أي مضاء ‍؟ أي صدق، أي طهر وأي نقاء؟ أي تواضع.. أي حب.. أي وفاء؟ أي احترام للحياة والأحياء..‍؟! ما الذي جعل المؤمنين بالإسلام يزيدون ولا ينقصون، رغم هول معركتنا ضد المادية المفرطة المغرضة وفراعنة العصر وجباريها في غربنا ؟!

رغم ذلك مسلمي الغرب كما الشرق، لم يستثمروا أفكار محمد أسد كما يجب، ولم يكرموه، ما عدا مسلمي النمسا، الذين فتحوا مؤسسات ومراكز ومناطق باسمه، مثل تسمية ساحة، أمام مسجد فيينا، في الدائرة الـ 22 للعاصمة النمساوية، باسم محمد أسد، أنظر، خذ معك هذه الصورة المكتوبة بالألمانية :" ساحة محمد أسد، 1900-1992، مفكر، عالم، ديبلوماسي"!



( مقاطعا) .. و ديبلوماسي أيضا ! أي كان سفيرا مثلك!


لدكتور مرادهوفمان:


نعم، كان أول سفير لدولة باكستان، في الامم المتحدة بنيويورك، لما رأت باكستان النور عام 1947، فحكومة البنجاب في البداية نصبته على دائرة إعادة التعمير بلاهور، و ساهم مدة سنتين مع فريق عمل في صياغة دستور البلاد، ثم مديرا لقسم الشرق الاوسط بوزارة الخارجية، ليرسل كسفير مفوض فوق العادة برتبة وزير عام 1952 كسفير لدولة باكستان، لكنه لم يعمر في هذا المنصب إلا ستة أشهر، لان أفكاره تزعج بعض الساسة في نيويورك وحتى وزير خارجيته الباكستاني كان متخوف منه لأن محمد أسد من أصول يهودية! و قيل كان يغار منه، و قد انفجر الوضع بين السفير والوزير، لما هذا الاخير رفض السماح لمحمد أسد التزوج من سيدة مسلمة من أصول كاثوليكية أمريكية بولونية، هي الاخت بولة حميدة، فأضطر للاستقالة من السفارة و تفرغ للكتابة والدعوة ، ككل مفكر همه دينه والقضايا الكبرى لحضارة أمة ..



( مقاطعا) .. كما وقع لغيره لكن بقصص مختلفة كالشيخ ابراهيم مزهودي لما استقال من السفارة الجزائرية بمصر، ومالك بن نبي لما استقال من إدارة التعليم العالي ليتفرغ للكتابة والدعوة .. وغيرهم كثير.

لكن لو سمحتم لنعود لتجربتكم الشخصية و المفكر محمد أسد.. هناك بعض المؤسسات أو حتى الدول، أطلقت مثلا، تسمية "ساحة" باسم محمد أسد في فيينا، ومراكز إسلامية وثقافية في النمسا وفي غيرها من الدول الأخرى أطلقت أسماء مفكرين و رموز على مؤسسات ثقافية وعلمية، وأنتم أو أتباعكم، لماذا لا تؤسسون مؤسسة باسمكم، تتبنى أفكاركم وتدير ندوات للتعريف بها، وتتابع تراثكم ومنشوراتكم، وهو أمر ميسر ومتداول اليوم، في المجتمعات العربية والغربية، وأخرها على الاقل عائلتك الصغرى أو الكبرى تشرف أو تتابع ترجمة كتبك للفرنسية مثلا، وهو جزء من رد الاعتبار لأصحاب الفضل أمثالكم ؟




لدكتور مرادهوفمان:


هذا الامر يعود للجالية المسلمة في هذه الديار، او في العالم الاسلامي، و ليس لي .. أنا أديت ما علي، عصارة أفكاري موجودة خاصة في كتبي الـ13 المنشورة، باللغات الانكليزية والعربية والالمانية ولغات اخرى.. أما تأسيس مؤسسة من طرف عائلتي الصغيرة فلا أظن إمكانية ذلك في المرحلة الراهنة.. رزقت بولدين من زوجتين مختلفتين، لم يبقى لي إلا ولد واحد يسكن حاليا في فرانكفورت، أما ابني الاول من زوجتي الامريكية الاولى فقد توفي وهو طفل.. لكن فيه طلبة وأساتذة أمثالكم، حظروا لندوة للناطقين بالألمانية بعنون" الدعوة الاسلامية في الغرب: من محمد أسد إلى مراد هوفمان"، وزعت فيها كتبنا، وهي تجربة رائدة، تعرفت فيها علينا الجالية المسلمة الوافدة، خاصة الاتراك الذين يفوق عددهم خمسة ملايين نسمة في ألمانيا، وهي نفس الندوات التي قمتم بها أنتم، أو ما يشابهها منذ سنتين أو ثلاث في سويسرا و فرنسا حول فكر مالك بن نبي ومحمود بوزوزو وسعيد رمضان و حميد الله و حتى جهود الامام بن باديس وجمعية العلماء الجزائرية..



شكرا أستاذنا الكريم، ومعذرة أننا أتعبناك بهذا الحوار الطويل، وأعدك ، ان شاء الله، أننا ننظم لك ندوة بهذا العنوان ،" الدعوة الاسلامية في الغرب: من محمد أسد إلى مراد هوفمان"، في سويسرا أو في فرنسا، فقط أقترح لنا التاريخ الذي يناسبك لتشرفنا بحضورك مع باقي ضيوفنا من أساتذتنا ومشايخنا، ونحن نقوم بالواجب، خلال العام المقبل بحول الله ..




لدكتور مرادهوفمان:


نفكر مستقبلا في الموضوع سويا بحول الله - إن كانت لهذه الاعمار بقية- وأشكرك وأشكر إدارة جريدتكم الغراء، على هذه الفرصة الثمينة للتواصل مع القراء العرب الكرام، وأدعو الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير، وأن يغفر لنا وللذين سبقونا بالأيمان، ووفقكم الله لما فيما صلاح البلاد والعباد.. إنه سميع مجيب.. آمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق