وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الثلاثاء، 19 مارس 2013

اليسر ورفع الحرج

اليسر ورفع الحرج
في الشريعة الإسلامية
إعداد
الدكتور مازن مصباح صباح
أستاذ الفقه وأصوله المساعد
جامعة الأزهر - غزة
الحمد لله رب العالمين، كلّف عباده المؤمنين بما يطيقون وبما يستطيعون ووضع عنهم ما هم عنه يعجزون، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الذي جاء برسالة عنوانها السماحة - صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر الشافع المشفع يوم الحشر .. أما بعد:
إن المتتبع والدارس والقارئ للفقه الإسلامي بدقة وتمعن يجد أنه يتميز بخصائص ومميزات لا يتميز بها غيره، جعلته قابلاً للنماء والثبات والعطاء طيلة أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك أن الشريعة الإسلامية -الذي يُعد الفقه جزءاً منها- ذات صفة عالمية ودائمة.
ولما كانت هذه الشريعة آخر شريعة سماوية، كان لابد أن تكون مميزة بخصائص ومميزات تجعلها قابلة للثبات والاستمرار ومواكبة لحياة الإنسان مهما كان، وفي أي عصر كان وفي أي مكان كان.
ومن أهم المميزات التي تميزت بها شريعتنا الغراء رفع الحرج عن المكلفين والتيسير عليهم، وهذه ميزة ميزت الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع الأخرى السابقة التي ضمَّنها الله -عز وجل- من الأعمال الشاقة ما يتناسب وأحوال وأوضاع تلك الأمم التي جاءت لها تلك الشرائع، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: اشتراط قتل النفس للتوبة من المعصية، والتخلص من الخطيئة، ويدل على ذلك قوله تعالى: }فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ{([1])، ومثله أيضاً تطهير الثوب بقطع موضع النجاسة منه، وبطلان الصلاة في غير موضع العبادة المخصوص، وغير ذلك من الأمور التي كلّف بها من نزلت عليهم تلك الشرائع السابقة([2]).
هذا ولم تسلم شريعة من الشرائع السابقة من المشاق والتشديد والعنت، لذلك علّمنا الله عز وجل دعاءً وهو قوله تعالى: }رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ{([3])، بل إن هذه الأمة قد بشرت بنبيها -محمد- r الأنبياء الذين سبقوه r وجاءت صفاته في التوراة والإنجيل والتي منها أنه سيُبعث r ميسِراً ومخفِفاً عن الأمة التي سيبعث فيها.
قال تعالى: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ{([4])، ومعنى قوله -عز وجل- (ويضع عنهم إصرهم والأغلال) أنه r جاء بالتيسير والسماحة([5]).
الأدلة على رفع الحرج في الشريعة الإسلامية

0 التعليقات:

إرسال تعليق