عمر أزراج تلميذُ الحياة..
قال
عن نفسه: "أنا لا أزعم أنّني الشّاعر الشّاعر أو المفكّر المفكّر؛ أنا
تلميذ الحياة". ذلك هو الشّاعر و المفكّر الفيلسوف عمر أزراج الذّي كانت لي
فرصة حضور ندوة فكرية له بمدينة سطيف من تنظيم جمعية النبراس الثقافي،
لحظتها أدركت أنّ الجزائر خسرت بغيابه الكثير؛ عمر أزراج وجدته معتزا
بجزائريته، فخورا بانتمائه للوطن، وجدته مفعما بحبّ الجزائر، كيف لا و هو
القائل عن نفسه بأنّه " ابن الثّورة التحريريّة"؛ عاش أزراج حالما بغده
آملا أن لا تنطفئ تلمذته و طفولته: " أنا لم أشخ بسرعة لأنّني ألعب دور
الطّفل باستمرار". يقول أزراج بأنّه لا يؤمن بشكل قاطع بشيء اسمه الهوية
لأن جميع المعارك و حروب الاستنزاف قامت باسم الهويّة، كما يعتقد عمر أزراج
بأنّ أكبر خطر يهدّد الجزائر هو تقسيمها إلى هويّات ( هوية عربيّة،
أمازيغيّة...)؛ الهوية بالنسبة للمفكّر أزراج ليست جاهزة دائما بل مفتوحة
على التحوّلات و الاختلافات و تتشكّل باستمرار؛ الشّعوب المستعمرة ترتكب
خطأ كبيرا عندما تتمسّك بالتراث دون دراسته و إخضاعه للنّقد.
حدّثنا
أزراج عن علاقة الشّعر بالفلسفة ( سؤال الكينونة/ سؤال الموت )، تحدّث عن
الرّوافد التي نهل منها، عن المعري و لزوم ما لا يلزم، عن إيليا أبي ماضي و
من أين أتيت، عن هيدجر الذّي قال بأنّه قبل أفلاطون و أرسطو كانت هناك
أسئلة لكن بعد هذا حدث التراجع عن هذه الأسئلة. قال عمر أزراج بأن الفلسفة
بدأت تتعامل مع الواقعية( الإنسان، الحالات النفسية) حيث تخلّت الفلسفة عن
موضوع مصير الإنسان، و صارت تتعامل مع الوقائع كما هي في الواقع. يرى عمر
أزراج بأن الشّاعر عليه أن يصوّر بدقّة الظروف الاجتماعية كما عليه أن يعكس
صورة الطبقات الاجتماعية، يجب على الشّاعر أن يدمج الرؤية الفلسفية في
الرؤية الشّعرية. الشّاعر بالنسبة لأزراج حالة شخصية عليه أن يراقب
المجتمع، يراقب المجتمع، يراقب الواقع، يراقب الكون. الشّاعر الحقيقيّ مثل
الصّياد في المحيط الأطلسي، المثقف هو آلة التّصوير.
تحدّث
عمر أزراج أيضا عن لقاءه بالشّاعر الدّاغستاني رسول حمزاتوف بروسيا، و قال
بأنّه تعلّم الكثير منه حيث قال له: ثلاثة أشياء تعلّمك الشّعر: " تاريخك
الوطنيّ، تاريخ الحضارات الإنسانية، و الطبيعة(الطّبيعة تحتاج إلى ذكاء)".
تكلّم الشّاعر أيضا عن زوجته الدّكتورة سوزان و هي المحللّة النفسيّة ذات
التكوين الفلسفي حيث يقول أزراج بأنّها غيّرت حياته يوم قالت له:" يا عمر
أنت لا تملك مشروعا فكريّا، أنت تلمس الأشياء و لا تصنع منها عالمك الخاص؛
يا عمر ضع غضبك في الكلمات". يقول عمر أزراج بأنّه قرّر بعث مشواره الدراسي
الجامعي بعد أن سمع هذا الكلام و هو في التاسعة و الثلاثين من عمره.
قبل
أن يختم النّدوة أراد أزراج أن يتحدّث عن الحالة الجزائريّة فقال بأنّه
بعد ست و عشرين سنة من الهجرة في بريطانيا ( المنفى الاختياري ) أدرك أمرين
هامين: " أدركت جهلي، كما أدركت أنّني أصبحت إنسانا". كما قال الشّاعر،
المفكّر و الفيلسوف بأنّ الوقت قد حان لنفتح الأبواب، و تساءل بلغة
المتعجّب: من قرأ مصطفى الأشرف؟؛ تفرّس أزراج في الحضور و قال: " مشكلة
الجزائر أنّها بقيت تدور في رومانسية الأمّة و لم تدخل في دور المجتمع"،
كما أشار أزراج إلى خطر الفكر الواحدي الذّي يعتبر سقوطا حرّا و إراديّا في
الميتافيزيقي. تحدّث أزراج بلغة الحزين على ما آلت غليه الأوضاع في بلده
الجزائر قائلا: " أنا حزين لهذا الوضع؛ الجزائر اليوم في حاجة إلى ألف شاعر
ليهذّبوا الذّوق، في حاجة إلى ألف معماري ليعمّروا هذا البلد، العمران
الجزائري اليوم صار عدوانيّا و يهدّد بكارثة، مستحيل أن ينشأ أبناؤنا
بطريقة سليمة في هذه البيئة المتوحّشة. علينا أن نعترف بتقصيرنا في حقّ
فرانتز فانون، جاك دريدا، و هيلين سيكوس و غيرهم، و هم الذّين اعتزوا دائما
بهويّتهم الجزائريّة".
هكذا
كان لقاؤنا بشاعرنا الكبير عمر أزراج، و هكذا كان استطعنا تجديد أفكارنا
بالاستماع لرجل من طينة هذا الفذّ العملاق في تاريخ الفكر و الأدب
الجزائري. كم نحن في حاجة لأمثال عمر أزراج و محمّد أركون و مالك بن نبي و
مصطفى الأشرف و محمّد البشير الإبراهيمي و ابن باديس و الكثير الكثير من
علماء و أعلام الجزائر الذّين تركوا بصماتهم في حقل الفكر الإنساني، و كم
نحن في حاجة إلى إعادة قراءة هؤلاء !.
قلم: أحمد بلقمري
0 التعليقات:
إرسال تعليق