وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الأحد، 15 يناير 2012

صفحةٌ من طفولتي ( جَارُنا العجوزُ )

صفحةٌ من طفولتي ( 4)


بقلم / ربيع السّملالي

(( لاَزَالتْ ذَاكِرَتِي تحتَفِظُ بالكَثير الكثير منَ المواقف التي كنتُ أمرّ بهَا وأنا أسيرُ في دروبِ الحياة ، وأمضي في أزقّة الأيّام ..، فأتبسّم من بعضها وأكاد أبكي من البعض الآخر...))

... لازَالتْ صُورَتُهُ مُنطَبِعةً في ذاكِرتِي ، وَاضِحةً وضوحَ النّهار ، ولا أظنّنِي سأنساهُ مهما بلغَ بيَ الْكِبَرُ إلاّ أن يشَاءَ اللهُ …وكيفَ أنسى من كانَ بيتُهُ لصيقَ بيتِنا ، ونفتحُ أعيُننا عليه صبَاحَ مساء ؟ …
إنّهُ ( السّي المعطي ) الذي سحقته الثّمانونَ سنة التي يقبعُ تحت رحمتها ، الذي هدَمَتْهُ الشّيخوخةُ ، وهزمتْهُ الأيامُ والشّهورُ ..لهُ سُحنةٌ كالحةٌ مسَخها الفقرُ والإهمالُ ، وصلعةٌ كمرآةٍ صَدِئَةٍ تلُفّها عِمَامةٌ مُتآكِلةٌ ، مُثقلةٌ بعَرَقِ السّنين والأعوامِ ، ولهُ عينانِ غارِقتَانِ حَمراوانِ فيهما حُزن دائم ، وهمّ سَرْمَدِي ... وأنفه الأفطسُ تُطِلُّ منه بعضُ الشّعيرات الحادّة كَشَوكِ القتاد …كان أدْرداً ، وكُلّما غفَا غفْوَتَه المعهودةَ أمامَ بابِ دارهِ بدا فمُه المفتوحُ كمغارةٍ من مغاراتِ جبالِ ( أُوشْرَاحْ ) ...
وجلابيبُهُ وأطمارُه الباليةُ كلُّها غرابيبُ سُود . يَجلِسُ مُتّكِئا في أغلبِ الأحيان على فَرْوةِ خَروف قَاتِمة اللّون ...
يتركُ بابَه دائماً مُنْفَرِجاً ، يُمزِّقُنا بنظراتِه العَابِسَةِ ، يتحيّنُ الفرصةَ لينقضّ على أحدِنَا ...
لم أرَهُ قطّ يبتسمُ في وجهِ أحد ، اللهمّ إلا تلك الابتسامة المغتصبة التي يردّ بها السّلام على كبار السّنّ من أمثاله ....
كان يُكثر من شتمنا ولعننا ، لأنّنا كنّا نحولُ بينه وبين هدوئِه ونومِه وراحتِه بسبب ضجيجنا ولعبنا المستميت الدّائم ، وكنّا نبالغُ في كُرهه لأنّه هو الآخر كان يحولُ بيننا وبين مُتْعَتِنَا في اللّعب بالقرب من بيوتِنا وأمهاتِنا ، وقد مزّق كُرَتي البلاستيكية أكثر من مرّة ، التي كنت لا أجمعُ لها ثلاثة دراهم إلاّ بِشِقّ الأنفس ... ومع مرور الأيّام وكُرور اللّيالي سلّمنا بأمر السّي المعطي وكأنّهُ مصيبة من مصائب مرحلتنا الطّفولية ، التي ينبغي الاستِسْلام لأمرها والرّضا بذلك ....
والآن أنا أتمنى لو أنظر إليه وأُقَبِّل رأسَه وأطلب منه السّماح والعفو .. (( تغمّده الله برحمته ))...

04 / 01 / 2012

1 التعليقات:

  1. اقتباس:
    المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساعد بولعواد




    إنّهُ ( السّي المعطي ) الذي سحقته الثّمانونَ سنة التي يقبعُ تحت رحمتها ، الذي هدَمَتْهُ الشّيخوخةُ ، وهزمتْهُ الأيامُ والشّهورُ ..لهُ سُحنةٌ كالحةٌ مسَخها الفقرُ والإهمالُ ، وصلعةٌ كمرآةٍ صَدِئَةٍ تلُفّها عِمَامةٌ مُتآكِلةٌ ، مُثقلةٌ بعَرَقِ السّنين والأعوامِ ، ولهُ عينانِ غارِقتَانِ حَمراوانِ فيهما حُزن دائم ، وهمّ سَرْمَدِي ... وأنفه الأفطسُ تُطِلُّ منه بعضُ الشّعيرات الحادّة كَشَوكِ القتاد …كان أدْرداً ، وكُلّما غفَا غفْوَتَه المعهودةَ أمامَ بابِ دارهِ بدا فمُه المفتوحُ كمغارةٍ من مغاراتِ جبالِ ( أُوشْرَاحْ ) ...

    فنان فذ، متعدد المواهب ،أنت يا سي ربيع ...بورك حرفك السامق ،ومقعدك اللائق في الواحة ،زادك الله علما وفهما وتفوّقاً .مع المحبّة الخالصة لوجه الله.

    ******************************************
    ربيع السّملالي

    أشكرك جزيلَ الشّكر أخانا الكريم ( ساعد ) على كلامك الطّيب ، وأرجو ألا تكون قد استسمنتَ ذا ورم
    بوركتَ

    ردحذف