قصة
إسلام أبي ذر رضي الله تعالى عنه
وما
فيها من عبر
قال البخاري : حدثنا زيد هو بن أخزم ، قال أبو
قتيبة سلم بن قتيبة : حدثني مثني بن سعيد القصير قال : حدثني أبو جمرة قال : قال
لنا بن عباس : ألا أخبركم بإسلام أبي ذر
قال ، قلنا بلى قال : قال أبو ذر : كنت رجلا من غفار فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة
يزعم أنه نبي فقلت لأخي انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره ، فانطلق فلقيه ثم
رجع فقلت : ما عندك ، فقال : والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر ،
فقلت له : لم تشفني من الخبر فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه
وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد ، قال فمر بي علي فقال كأن
الرجل غريب قال قلت : نعم قال فانطلق إلى المنـزل ، قال فانطلقت معه لا يسألني عن
شيء ولا أخبره ، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه وليس أحد يخبرني عنه بشيء ،
قال فَمرَ بي علي فقال أما آن للرجل يعرف منـزله بعد ، قال قلت لا قال انطلق معي ،
قال فقال : ما أمرك وما أقدمك هذه البلدة ، قال قلت له : إن كتمت علي أخبرتك قال
فإني أفعل ، قال قلت له : بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي
ليكلمه فرجع ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه ، فقال له أما إنك قد رشدت هذا
وجهي إليه فاتبعني ادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط
كأني أصلح نعلي وامض أنت ، فمضى ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي e ، فقلت له : اعرض علي
الإسلام ، فعرضه فأسلمت مكاني ، فقال لي : "يا أبا ذر اكتم هذا الأمر
وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل" ، فقلت : والذي بعثك بالحق لأصرخن
بها بين أظهرهم ، فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال : يا معشر قريش إني أشهد أن
لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا
فضربت لأموت ، فأدركني العباس فأكب علي ثم أقبل عليهم فقال : ويلكم تقتلون رجلا من
غفار ومتجركم وممركم على غفار ، فأقلعوا عني فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما
قلت بالأمس ، فقالوا قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي مثل ما صنع بالأمس وأدركني
العباس فأكب علي وقال مثل مقالته بالأمس ، قال فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه
الله" .رواه البخاري برقم (3328) .
لأصرخن بها بين ظهرانيهم ، هو
بضم الراء من لأصرخن ، أي لأرفعن صوتي بها ، وقوله بين ظهرانيهم وهو بفتح النون ويقال
بين ظهريهم . شرح النووي (16/34) .
قال الحافظ : قوله "لأصرخن
بها" ، أي بكلمة التوحيد والمراد أنه يرفع صوته جهارا بين المشركين ،
وكأنه فهم أن أمر النبي e له بالكتمان ليس على الإيجاب ، بل على سبيل الشفقة عليه فأعلمه أن
به قوة على ذلك ولهذا أقره النبي e على ذلك ، ويؤخذ منه جواز قول الحق عند من
يخشى منه الأذية لمن قاله وإن كان السكوت جائزا ، والتحقيق إن ذلك مختلف باختلاف
الأحوال والمقاصد وبحسب ذلك يترتب وجود الأجر وعدمه ، قوله ثم قام القوم في رواية
أبي قتيبة فقالوا قوموا إلى هذا الصابي بالياء اللينة فقاموا ، وكانوا يسمون من
أسلم صابيا ، لأنه من صبا يصبو إذا انتقل من شيء إلى شيء . فتح الباري (7/175) .
0 التعليقات:
إرسال تعليق