يوم ضربني الرئيس الشاذلي بن جديد بقلم : عبد الرزاق بوكبة
عدنا في المساء إلى البيوت فأخبرنا أسرنا بذلك، وهنا بدأت الأمهات القرويات في إعداد أولادهن للرئيس، في الحقيقة ليس جديدا على الجزائري منذ ولادته أن يتمّ إعداده للحاكم لا للحكم، لذلك فقد راجت في تلك الأيام تجارة الدجاج البلدي والديك الرومي والأرانب المنزلية والسمن بين نساء القرية حتى يضمنّ مالا يشترين به ثيابا جديدة من السوق الأسبوعية لأطفال سيستقبلهم رئيس البلاد الذي تمنيت يومها أن يكثر من زياراته حتى نضمن ملابس جديدة.
يومها كنت صديقا وفيا للمذياع لذلك فقد كنت على علم باسم الرئيس، وببعض تاريخه، وبتشكيلته الحكومية، فالمذياع كان مدرستي الأولى، لكنني لم أكن أعرف صورته، لأن القرية لم تكن تتمتع بالكهرباء وبالتالي فلا وجود للتلفزة فيها، وهنا راح الخيال يلعب دوره في رسم صورة له ثم محوها ورسم صورة أخرى مكانها حتى نال مني النوم.
رأيت فيما يرى النائم رجلا طويلا ووسيما ومشلغما يرتدي ثيابا براقة يركب حصانا أبيض تكاد حوافره لا تلمس الأرض لنشاطه يقترب من قرية أولاد جحيش، ثم رأيت سكانها يخرجون لاستقباله وهم يهتفون: يحيا الشاذلي.. يحيا الشاذلي، فرحت أهتف معهم، وأخترق صفوفهم حتى أكون أقرب إليه منهم، توقف حصان الرئيس في المرجة، أشار إلي راكبُه فتقدمتُ، طلب مني أن أمسك باللجام حتى يترجّل ففعلتُ، وما أن وطئتْ قدماه الأرضَ حتى أفلتُّ الحصانُ فراح يركض بعيدا في البرية، انتزع الرئيس عصا من شيخ كان يهتف باسمه وراح يضربني بها ضربا لا رحمة فيه، والناس يهتفون، الرئيس يضربني وأهلي يهتفون باسمه، لم أصرخ، لم أحتجَّ.. لم أبكِ، ثم فجأة توقف عن ضربي مشيرا إلى الغاشي بأن ينوبوا عنه في ذلك فهجموا علي، في تلك اللحظة صحوت مذعورا من النوم وأنا أرتعد ما بك يا ولد؟.
ضربني الرئيس.
ضربني الشاذلي.
أرقدْ يضربك جن.
كانت المرة الأولى التي أرى فيها مركبة ضخمة بذلك الشكل، كانت الحافلة التي أرسلوها من الولاية لتحملنا إلى مدينة المنصورة لاستقبال الرئيس، كدت أن أفرّ وأنا أدعى للركوب حين تذكرت المنام، من يدريني أن الرئيس لن يضربني فعلا؟، كان الجميع يرتدي ثيابا جديدة، بعضهم يرتدي ديكا روميا، وبعضهم دجاجتين وبعضهم لترين من السمن، أما أنا فقد كنت أرتدي أربعة أرانبَ باعتها أمي لعجوز تستعد ابنتها لأن تضع مولودا.
لم يكن الطريق معبّدا يومها لذلك فقد كانت الحافلة تهتز بنا فتقذف الأمعاءُ ما دخلها من حليب الماعز صباحا، إلاي لم أتقيأ لأنني لم أتناول شيئا تحت تأثير الخوف الذي حقنني به المنام، كان المعلمون يلقنوننا كيف نتصرف حين نصل وماذا نقول، وكنت مشغولا عنهم بمسح البرية بعينيَّ من خلال زجاج الحافلة علني أرى حصان الرئيس.
وصلنا إلى عين المكان فكاد قلبي يخرج من فمي، ما أكثر التلاميذ الذين جيء بهم مثلنا، هل يعقل أن يختارني الرئيس من بينهم جميعا ليضربني؟، ثم كيف سيراني وأنا سأختار الصفوف الخلفية؟، فكرت في أن أتسرب من بين الجميع وأفرّ إلى بيت أخوالي الذين كانوا يقيمون في تلك المدينة، وفي اللحظة التي قلت في نفسي إنها فكرة جيدة قال لي مدير المدرسة إنه علي أن أرافق هذا الشاب وأطيع أوامره، كان أحد قادة الكشافة، وكان مكلفا بأن يختار بالتنسيق مع مدراء المدارس أنجبَ التلاميذ ليكوّنَ منهم كوكبة تكون في متناول مصافحة الرئيس، لم أندم في حياتي على أنني كنت مجتهدا إلا مرتين، في هذه المرة، وفي مرة أخرى لا أملك الجرأة على ذكرها الآن.
الشمس تشوي الأبدان، والعطش يشوي الحلوق، والجوع يشوي البطون، وموكب الرئيس تأخر من التاسعة صباحا موعدِ وصولنا إلى غاية الواحدة زوالا، وقد كان الجميع يتمنى وصوله ما عداي فقد كنت أدعو الله بحرارة أن يموت فلا أراه ولا يراني، سأصير أضحوكة إن هو ضربني أمام هذه الحشود الوافدة من كل أعراش المنطقة، وفجأة انتفخت الحناجر: يحيا الشاذلي
يحيا الشاذلي
يحيا الشاذلي
كان الرئيس يحيا في الكلمات، وكنت أنا أمووووووووت بعيدا عن أي انتباه، أليس هذا وضعَ الشاب الجزائري منذ فجر الاستقلال؟.
abdezak@hotmail.com
كان الرئيس يحيا في الكلمات، وكنت أنا أمووووووووت بعيدا عن أي انتباه أليس هذا وضعَ الشاب الجزائري منذ فجر الاستقلال؟.
كان عمري تسعَة أعوام حين قال لنا مدير المدرسة الوحيدة في العرش من سنة 1986 إنه علينا أن نحضر بعد أربعة أيام باكرا إلى المدرسة ليتم نقلنا في حافلة خاصة إلى مدينة المنصورة حتى نشارك في استقبال الرئيس الشاذلي بن جديد الذي سيزور ولايتنا برج بوعريريج ليدشن مشاريع، ويعلن عن أخرى، وطلب منا أن نختار أحسن ثيابنا حتى نكون في مستوى المناسبة.
عدنا في المساء إلى البيوت فأخبرنا أسرنا بذلك، وهنا بدأت الأمهات القرويات في إعداد أولادهن للرئيس، في الحقيقة ليس جديدا على الجزائري منذ ولادته أن يتمّ إعداده للحاكم لا للحكم، لذلك فقد راجت في تلك الأيام تجارة الدجاج البلدي والديك الرومي والأرانب المنزلية والسمن بين نساء القرية حتى يضمنّ مالا يشترين به ثيابا جديدة من السوق الأسبوعية لأطفال سيستقبلهم رئيس البلاد الذي تمنيت يومها أن يكثر من زياراته حتى نضمن ملابس جديدة.
كان عمري تسعَة أعوام حين قال لنا مدير المدرسة الوحيدة في العرش من سنة 1986 إنه علينا أن نحضر بعد أربعة أيام باكرا إلى المدرسة ليتم نقلنا في حافلة خاصة إلى مدينة المنصورة حتى نشارك في استقبال الرئيس الشاذلي بن جديد الذي سيزور ولايتنا برج بوعريريج ليدشن مشاريع، ويعلن عن أخرى، وطلب منا أن نختار أحسن ثيابنا حتى نكون في مستوى المناسبة.عدنا في المساء إلى البيوت فأخبرنا أسرنا بذلك، وهنا بدأت الأمهات القرويات في إعداد أولادهن للرئيس، في الحقيقة ليس جديدا على الجزائري منذ ولادته أن يتمّ إعداده للحاكم لا للحكم، لذلك فقد راجت في تلك الأيام تجارة الدجاج البلدي والديك الرومي والأرانب المنزلية والسمن بين نساء القرية حتى يضمنّ مالا يشترين به ثيابا جديدة من السوق الأسبوعية لأطفال سيستقبلهم رئيس البلاد الذي تمنيت يومها أن يكثر من زياراته حتى نضمن ملابس جديدة.
عدنا في المساء إلى البيوت فأخبرنا أسرنا بذلك، وهنا بدأت الأمهات القرويات في إعداد أولادهن للرئيس، في الحقيقة ليس جديدا على الجزائري منذ ولادته أن يتمّ إعداده للحاكم لا للحكم، لذلك فقد راجت في تلك الأيام تجارة الدجاج البلدي والديك الرومي والأرانب المنزلية والسمن بين نساء القرية حتى يضمنّ مالا يشترين به ثيابا جديدة من السوق الأسبوعية لأطفال سيستقبلهم رئيس البلاد الذي تمنيت يومها أن يكثر من زياراته حتى نضمن ملابس جديدة.
يومها كنت صديقا وفيا للمذياع لذلك فقد كنت على علم باسم الرئيس، وببعض تاريخه، وبتشكيلته الحكومية، فالمذياع كان مدرستي الأولى، لكنني لم أكن أعرف صورته، لأن القرية لم تكن تتمتع بالكهرباء وبالتالي فلا وجود للتلفزة فيها، وهنا راح الخيال يلعب دوره في رسم صورة له ثم محوها ورسم صورة أخرى مكانها حتى نال مني النوم.
رأيت فيما يرى النائم رجلا طويلا ووسيما ومشلغما يرتدي ثيابا براقة يركب حصانا أبيض تكاد حوافره لا تلمس الأرض لنشاطه يقترب من قرية أولاد جحيش، ثم رأيت سكانها يخرجون لاستقباله وهم يهتفون: يحيا الشاذلي.. يحيا الشاذلي، فرحت أهتف معهم، وأخترق صفوفهم حتى أكون أقرب إليه منهم، توقف حصان الرئيس في المرجة، أشار إلي راكبُه فتقدمتُ، طلب مني أن أمسك باللجام حتى يترجّل ففعلتُ، وما أن وطئتْ قدماه الأرضَ حتى أفلتُّ الحصانُ فراح يركض بعيدا في البرية، انتزع الرئيس عصا من شيخ كان يهتف باسمه وراح يضربني بها ضربا لا رحمة فيه، والناس يهتفون، الرئيس يضربني وأهلي يهتفون باسمه، لم أصرخ، لم أحتجَّ.. لم أبكِ، ثم فجأة توقف عن ضربي مشيرا إلى الغاشي بأن ينوبوا عنه في ذلك فهجموا علي، في تلك اللحظة صحوت مذعورا من النوم وأنا أرتعد ما بك يا ولد؟.
ضربني الرئيس.
ضربني الشاذلي.
أرقدْ يضربك جن.
كانت المرة الأولى التي أرى فيها مركبة ضخمة بذلك الشكل، كانت الحافلة التي أرسلوها من الولاية لتحملنا إلى مدينة المنصورة لاستقبال الرئيس، كدت أن أفرّ وأنا أدعى للركوب حين تذكرت المنام، من يدريني أن الرئيس لن يضربني فعلا؟، كان الجميع يرتدي ثيابا جديدة، بعضهم يرتدي ديكا روميا، وبعضهم دجاجتين وبعضهم لترين من السمن، أما أنا فقد كنت أرتدي أربعة أرانبَ باعتها أمي لعجوز تستعد ابنتها لأن تضع مولودا.
لم يكن الطريق معبّدا يومها لذلك فقد كانت الحافلة تهتز بنا فتقذف الأمعاءُ ما دخلها من حليب الماعز صباحا، إلاي لم أتقيأ لأنني لم أتناول شيئا تحت تأثير الخوف الذي حقنني به المنام، كان المعلمون يلقنوننا كيف نتصرف حين نصل وماذا نقول، وكنت مشغولا عنهم بمسح البرية بعينيَّ من خلال زجاج الحافلة علني أرى حصان الرئيس.
وصلنا إلى عين المكان فكاد قلبي يخرج من فمي، ما أكثر التلاميذ الذين جيء بهم مثلنا، هل يعقل أن يختارني الرئيس من بينهم جميعا ليضربني؟، ثم كيف سيراني وأنا سأختار الصفوف الخلفية؟، فكرت في أن أتسرب من بين الجميع وأفرّ إلى بيت أخوالي الذين كانوا يقيمون في تلك المدينة، وفي اللحظة التي قلت في نفسي إنها فكرة جيدة قال لي مدير المدرسة إنه علي أن أرافق هذا الشاب وأطيع أوامره، كان أحد قادة الكشافة، وكان مكلفا بأن يختار بالتنسيق مع مدراء المدارس أنجبَ التلاميذ ليكوّنَ منهم كوكبة تكون في متناول مصافحة الرئيس، لم أندم في حياتي على أنني كنت مجتهدا إلا مرتين، في هذه المرة، وفي مرة أخرى لا أملك الجرأة على ذكرها الآن.
الشمس تشوي الأبدان، والعطش يشوي الحلوق، والجوع يشوي البطون، وموكب الرئيس تأخر من التاسعة صباحا موعدِ وصولنا إلى غاية الواحدة زوالا، وقد كان الجميع يتمنى وصوله ما عداي فقد كنت أدعو الله بحرارة أن يموت فلا أراه ولا يراني، سأصير أضحوكة إن هو ضربني أمام هذه الحشود الوافدة من كل أعراش المنطقة، وفجأة انتفخت الحناجر: يحيا الشاذلي
يحيا الشاذلي
يحيا الشاذلي
كان الرئيس يحيا في الكلمات، وكنت أنا أمووووووووت بعيدا عن أي انتباه، أليس هذا وضعَ الشاب الجزائري منذ فجر الاستقلال؟.
abdezak@hotmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق