وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الاثنين، 9 أبريل 2012

فغفر له







( ... فغفر له ...)
الدكتور عثمان قدري مكانسي
 رأى موسى عليه السلام قبطياً وإسرائيلياً يقتتلان حين دخل المدينة على حين غفلة من أهلها، فاستغاثه الإسرائيلي – وكان أقباط مصر إذ ذاك يستذلـّون اليهود - فما كان من موسى عليه السلام – وهو شاب قويّ - إلا أن وكز القبطي فمات على فوره ، ولم يكن موسى عليه السلام يريد قتله ، لكنّ وكزته القوية كانت السبب في انتهاء أجله ،
 شعر موسى بالحزن والأسى لأمر لم يكن يقصده ، إنه أراد أن يمنع أذى القبطي المعتدي عن الإسرائيلي ليس غير، فوجد نفسه يقتله ، فأقر أن هذا التسرع من عمل الشيطان عدوّ البشرية ، فهو يهيّج في الإنسان غضبه فيفقده السيطرة على نفسه فيرتكب أخطاءه
 " قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوّ مضل مبين "
 فاستغفر ربـّه نادماً من فعلته العفوية هذه :
 " قال ربي اغفر لي "
 قالها مخلصاً في دعائه واسفه ، وتوجه إليه سبحانه أن يقيل عثرته ويغفر ذنبه فجاءه الفضل من ربه سريعاً
 " فغفر له إنه هو الغفور الرحيم " .
 إن صاحب القلب المتصل بالله إن يخطئ فيتـُبْ يقبلِ الله توبته ويقـِلْ عثرته ، ويستشعر موسى فضلَ الله عليه فيعاهده تعالى أن لا يكون ظهيراً للمجرمين ، وأن يكون معيناً للمظلومين ، " قال ربّ بما أنعمتَ عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين " .

 عدت إلى التفاسير أستجلي الطريقة التي علم فيها موسى عليه السلام أن الله تعالى قد غفر له ، فلم تسعِفني هذه التفاسير، وبعضها أخطأ حين جعله نبياً وهو شاب مع أن النبوّة والرسالة جاءته وهو عائد من مدين مع أهله إلى مصر ، فكيف علم موسى قبل أن يصير نبياً يوحى إليه أن الله تعالى قد غفر له ؟ ! .
 لقد كان موسى وهو فتى ثم شاب ثم رجل يعلم أنه سيكون نبياً رسولاً وأن الله تعالى رباه على عينه ، واصطفاه لنفسه
 " ولتُصنع على عيني "
 " واصطفيتك لنفسي " .
 وقد يتساءل أحدهم كيف يعلم ولم يصِرْ نبياً بعدُ ؟ فالجواب أن أمه كانت تعلم منذ ولادته أنه سيكون رسولاً وقبل أن ترضعه الرضعة الأولى إذ أوحى الله إليها ذلك الأمر فيما نقرؤه في بداية سورة القصص :
 " وأوحينا إلى أم موسى أْنْ أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين "
 فقد وعدها سبحانه أن يعيد رضيعها إليها وأخبرها أن ابنها سيكون ذا شأن في المستقبل ، إنه سوف يكون رسولاً .
 أخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن في الأمم قبلنا رجالاً صالحين كانت الملائكة تحدثهم وتسدد خطاهم وتؤانسهم أما في أمتنا فليس فيها هذا الصنف . والسبب في ذلك أن الإسلام دين كامل أتمه الله علينا " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي رضيت لكم الإسلام ديناً " فلا مجال مطلقاً لزيادة المتخرّصين ، وكذب المدّعين ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها
 " قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون فإن يكُ في أمتي أحد منهم فهو عمر بن الخطاب " صحيح الجامع للألباني الصفحة أو الرقم: 4377
 وعلى هذا فلا نقبل دجّالين يقولون : حدثني قلبي عن ربي ، ويعتبر نفسه موصولاً بالله يتلقى الوحي عنه بقلبه الطاهر !!! ويتقول على الله الأقاويل ، فيفتن الناس ويدلّس عليهم دينهم .
 ومن الأحاديث التي رأينا الرجل ممن قبلنا يسمع الملائكة تتحدث ما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بينا رجل بفلاة من الأرض ، فسمع صوتا في سحابة : اسق حديقة فلان . فتنحى ذلك السحاب . فأفرغ ماءه في حرة . فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله . فتتبع الماء . فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته . فقال له : يا عبدالله ! ما اسمك ؟ قال : فلان . للاسم الذي سمع في السحابة . فقال له : يا عبدالله ! لم تسألني عن اسمي ؟ فقال : إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان . لاسمك . فما تصنع فيها ؟ قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها ، فأتصدق بثلثه ، وآكل أنا وعيالي ثلثا ، وأرد فيها ثلثه " رواه مسلم .
 فعرف الرجل سبب إكرام الله تعالى لهذا المزارع المؤمن الذي يتصدق بثلث ماله على الفقراء ، ومن الأحاديث التي تظهر الملائكة تكلم المسلم فيما قبلنا ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
 " زار رجل أخا له في قرية ، فأرصد الله له ملكا على مدرجته ، قال : أين تريد ؟ قال : أخا لي في هذه القرية ، فقال : هل له عليك من نعمة تربها ؟ قال : لا ، إني أحبه في الله قال : فإني رسول الله إليك ؛ إن الله أحبك كما أحببته "
 أما موسى عليه السلام فقد يكون أفضل المحدّثين الذين كانت الملائكة تكلمهم وتسدد خطاهم ، سيّما أن الله تعالى هيّأه ليكون من الرسل أولي العزم . فعلم أن الله تعالى غفر له لحديث الملائكة إياه صلى الله وسلم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام .

0 التعليقات:

إرسال تعليق