وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الأحد، 21 أبريل 2013

قول المعلم لا أدري لما لا يدري جزء من العلم



]20[ قول المعلم لا أدري لما لا يدري جزء من العلم        
لقد عاب الله على الذين يتكلمون بغير علم ، وذمهم في كتابه ، وعلى لسان رسوله r. وذلك لأن القائل بلا علم ، يضل ولا يهدي ، ويفسد ولا يصلح . وقول المرء لا أعلم أو لا أدري لما لا يعلم ولا يدري ، ليس عيباً ، ولا نقصاً في علمه وقدره ، بل هو من تمام العلم .
ولما سأل الله رسله يوم القيامة بقوله : ( يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب )[1] أي ماذا أجابتكم به أممكم ؟ ( قالوا لا علم ) وإنما العلم لك يا ربنا فأنت أعلم منا
( إنك أنت علام الغيوب ) أي تعلم الأمور الغائبة والحاضرة[2] .
ولما سأل الله ملائكته بقوله ( وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم )[3] فلم تستح[4] الملائكة من رد علم المجهول إلى عالمه .
والعلم ساحل لا بحر له ، ولا يحيط به إلا من وسع كل شيء علماً جل جلاله . والبشر ، كل البشر بضاعتهم في العلم قليلة ، قال تعالى : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) . وإذ1 كان الأمر كذلك فلا حياء ولا عيب أن يقول المعلم أو غيره لا أدري .
يقول الماوردي في أدبه[5] : فإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم سبيل ، فلا عار أن يجهل بعضه ، وإذا لم يكن في جهل بعضه عار ، لم يقبح به أن يقول لا أعلم فيما ليس يعلم . أهـ . وإنما القبح كل القبح ، أن يوهم ويدلس على الناس بكلام خاطئ مغلوط . والطلاب وإن دلس عليهم معلمهم بإعطائهم معلومات خاطئة لينجو من موقف معين ، إلا أنهم سوف يكتشفون ذلك إن عاجلاً أو آجلاً ، ومن ثم تهتز صورته لديهم ، ولا يثقون بعدها بالمعلومات والمواد التي يطرحها عليهم .
والمعلم الأول r ، كان يقول لما لا يدري ، لا أدري حتى يأتيه الوحي بذلك ، ولم يمنعه أن يقول تلك المقالة قول حاسد أو منافق! ، فتأمل ذلك وتدبره ، يهون عليك الكثير .
1- قال r : ( لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون ، فأكون أو من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري : أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أو كان ممن استثنى الله )[6]
2- عن ابن عمر قال : ( جاء رجل إلى النبي r فقال : يا رسول الله أي البقاع خير ؟ قال : لا أدري . فقال : أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري . قال سل ربك . فأتاه جبريل r فقال : يا جبريل أي البقاع خير ؟ قال : لا أدري ، قال : أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري . فقال : سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة كاد يصعق منها محمد r ، وقال : ما أسأله عن شيء ، فقال الله – عز وجل – لجبريل سألك محمد أي البقاع خير ؟ فقلت : لا أدري وسألك أي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري . فأخبره أن خير البقاع المساجد ، وشر البقاع الأسواق [7].
أما تلامذة محمد r فقد ضربوا أروع الأمثلة في التأسي بمعلمهم r ، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول : أي سماء تظلني ؟ وأي أرض تقلني ؟ إذا قلت في كتاب الله بغير علم . وهذا ابن سعود رضي الله عنه يقول : إن من العلم أن تقول لما لا تعلم : الله أعلم . قال الله تبارك وتعالى لنبيه r : ( قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ) ، وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول فيما يرويه عنه الشعبي : إنه خرج عليهم وهو يقول : ما أبردها على الكبد ؟! فقيل له : وما ذلك ؟ قال : أن تقول للشيء لا تعلمه : الله أعلم . وهذا ابن عمر رضي الله عنهما يقول فيما يرويه عنه نافع : أنه سئل عما لا يعلم فقال : لا يعلم فقال لا علم لي به[8] . والكلام في ذكر أقاويل الصحابة والسلف يطول ، وفيما ذكر يكفي ويشفي .
قال الراجز :
فإن جهلت ما سئلت عنه





ولم يكن عندك علم منه

فلا تقل فيه بغير فهم





إن الخطأ مزر بأهل العلم

وقل إذا أعياك ذاك الأمر





مالي بما تسأل عنه خبر

فذاك شطر العلم عند العلما





كذاك مازالت تقول الحكما[9]








    الخلاصة:
    (1)      القائل بلا علم مذموم أبداً في كتاب الله ، وعلى لسان رسوله r .
    (2)      القائل بلا علم ، يفسد ولا يصلح .
    (3)      عدم المعرفة ليس عيباً ولا نقصاً في حق المعلم .
    (4)      الحياء والخجل من قول ( لا أدري ) ليس سبباً مقنعاً في تمرير المعلومات الخاطئة على الطلاب .
    (5)      يجب على المعلم أن يغرس هذا المبدأ في نفوس طلابه ، ويؤكد عليه .
    (6)      قول لا أعلم . جزء من العلم . بل قال عنه أبو الدرداء أنه نصف العلم [10].


خاتمة
وبعد ...
.. فإن ما طالعته آنفاً ، جزء يسير من سيرته r في التربية والتعليم ، وما تركت أكثر مما ذكرت ، وحسبي أني مهدت السبيل لك ، ودللتك على ينبوع لا ينضب ، ونهر لا يدرى أوله من آخره ، فشمر عن ساعد الجد واستن بمن أمرنا بالاستنان به ، فهو لعمر الله الأسوة الحسنة والسراج المنير . وإنه لمن المؤسف أن يعدل معلمونا عن سنة نبيهم ويطلبوا غيرها وهي دونها بمراحل . ولو تقصينا كثيراً من الآثار النبوية لخرجنا بكم هائل من الفوائد التربوية والتعليمية ، ولكن نشكو إلى الله ضعف همتنا وقلة علمنا .
أخي المعلم .. إن الأمة تعلق عليك آمالاً كبيرة , لأنها قدمت لك أغلى ما تملك ، قدمت لك ثمرة فؤادها ، وفلذة كبدها ، فماذا ستفعل فيها ، هل سترعاها وتؤدي ما اؤتمنت عليه ، أم ماذا ؟
ولعل قوله r ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) يغني عن كثير من الكلام .. ألا فاتقوا الله في أولاد المسلمين ولا تغشوهم ، وعلموهم العلم والأدب ، وقدموا لهم النصيحة ولا تبخلوا عنهم بشيء فهم عماد المستقبل وعليهم تقوم الأمة .
والله أعلم .. وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماُ كثيراً إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين في الأولى والآخرة .


[1]  سورة المائدة .
[2]  تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان . الشيخ عبد الرحمن بن سعدي . ( 2/360 )
[3]  سورة البقرة .
[4]  سئل الشعبي عن مسألة فقال كلاماً فيه أني لا أحسن الإجابة عن هذه المسألة . فقال له أصحابه : قد استحيينا لك مما رأينا منك . فقال : لكن الملائكة المقربين لم تستح حين قالت : ( لا علم لنا إلا ما علمتنا ) . ( مختصر جامع بيان العلم وفضله . لابن عبد البر ص221)
[5]  أدب الدين والدنبا ص123.
[6]  جزء من حديث رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء / ومسلم في الفضائل / وأحمد في باقي مسند المكثرين / الترمذي في تفسير القرآن / وأبو داود في السنة .
[7]  قال محقق مختصر جامع بيان العلم .. ذكره ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم وفضله . (2/50) ، وقال محقق إحياء علوم الدين نقلاً عن كتاب تخريج أحاديث الإحياء : أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه وهو من حديث ابن عمر . ثم قال : وهو حسن ذكره الألباني في الصحيحة / 3271 .
[8]  النقول السابقة التي عن الصحابة مأخوذه من مختصر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص221/223 .
[9]  مختصر جامع بيان العلم وفضله لا بن عبد البر ص224 .
[10]  مختصر جامع بيان العلم وفضله لا بن عبد البر ص225 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق