من أفضل ما قيل في الرّثاء
للمتنبي ( أحمد
بن الحسين )
نُعِدُّ
المَشرَفِيَّةَ وَالعَوالي *** وَتَقتُلُنا المَنونُ بِلا قِتالِ
وَنَرتَبِطُ السَوابِقَ مُقرَباتٍ *** وَما يُنجينَ مِن خَبَبِ اللَيالي
وَمَن لَم يَعشَقِ الدُنيا قَديمًا *** وَلَكِن لا سَبيلَ إِلى الوِصالِ
نَصيبُكَ
في حَياتِكَ مِن حَبيبٍ *** نَصيبُكَ في مَنامِكَ مِن خَيالِ
رَماني الدَهرُ بِالأَرزاءِ حَتّى *** فُؤادي في غِشاءٍ مِن نِبالِ
فَصِرتُ إِذا أَصابَتني سِهامٌ *** تَكَسَّرَتِ النِصالُ عَلى النِصالِ
وَهانَ فَما أُبالي بِالرَزايا *** لِأَنّي ما اِنتَفَعتُ بِأَن أُبالي
وَهَذا أَوَّلُ الناعينَ طُرًّا *** لِأَوَّلِ مَيتَةٍ في ذا الجَلالِ
كَأَنَّ المَوتَ لَم يَفجَع بِنَفسٍ *** وَلَم يَخطُر لِمَخلوقٍ بِبالِ
صَلاةُ اللَهِ خالِقِنا حَنوطٌ *** عَلى الوَجهِ المُكَفَّنِ بِالجَمالِ
عَلى المَدفونِ قَبلَ التُربِ صَونًا *** وَقَبلَ اللَحدِ في كَرَمِ الخِلالِ
فَإِنَّ لَهُ بِبَطنِ الأَرضِ شَخصًا *** جَديدًا ذِكرُناهُ وَهُوَ بالي
وَما أَحَدٌ يُخَلَّدُ في البَرايا *** بَلِ الدُنيا تَؤولُ إِلى زَوالِ
أَطابَ النَفسَ أَنَّكِ مُتِّ مَوتًا *** تَمَنَّتهُ البَواقي وَالخَوالي
وَزُلتِ وَلَم تَرَيْ يَومًا كَريهًا *** تُسَرُّ الروحُ فيهِ بِالزَوالِ
رِواقُ العِزِّ حَولَكِ مُسبَطِرٌّ ***وَمُلكُ عَلِيٍّ اِبنِكِ في كَمالِ
سَقى مَثواكَ غادٍ في الغَوادي *** نَظيرُ نَوالِ كَفِّكِ في النَوالِ
لِساحيهِ عَلى الأَجداثِ حَفشٌ *** كَأَيدي الخَيلِ أَبصَرَتِ المَخالي
أُسائِلُ عَنكِ بَعدَكِ كُلَّ مَجدٍ *** وَما عَهدي بِمَجدٍ عَنكِ خالي
يَمُرُّ
بِقَبرِكِ العافي فَيَبكي *** وَيَشغَلُهُ البُكاءُ عَنِ السُؤالِ
وَما أَهداكِ لِلجَدوى عَلَيهِ *** لَوَ انَّكِ تَقدِرينَ عَلى فَعالِ
بِعَيشِكِ هَل سَلَوتِ فَإِنَّ قَلبي *** وَإِن جانَبتُ أَرضَكِ غَيرُ سالي
نَزَلتِ عَلى الكَراهَةِ في مَكانٍ *** بَعُدتِ عَنِ النُعامى وَالشَمالِ
تُحَجَّبُ عَنكِ رائِحَةُ الخُزامى *** وَتُمنَعُ مِنكِ أَنداءُ الطِلالِ
بِدارٍ كُلُّ ساكِنِها غَريبٌ *** طَويلُ الهَجرِ مُنبَتُّ الحِبالِ
حَصانٌ مِثلُ ماءِ المُزنِ فيهِ *** كَتومُ السِرِّ صادِقَةُ المَقالِ
يُعَلِّلُها نِطاسِيُّ الشَكايا *** وَواحِدُها نِطاسِيُّ المَعالي
إِذا وَصَفوا لَهُ داءً بِثَغرٍ *** سَقاهُ أَسِنَّةَ الأَسلِ الطِوالِ
وَلَيسَت كَالإِناثِ وَلا اللَواتي *** تُعَدُّ لَها القُبورُ مِنَ الحِجالِ
وَلا مَن في جَنازَتِها تِجارٌ *** يَكونُ وَداعُها نَفضَ النِعالِ
مَشى الأُمَراءُ حَولَيها حُفاةً *** كَأَنَّ المَروَ مِن زِفِّ الرِئالِ
وَأَبرَزَتِ الخُدورُ مُخَبَّآتٍ *** يَضَعنَ النِّقْسَ أَمكِنَةَ الغَوالي
أَتَتهُنَّ المُصيبَةُ غافِلاتٍ *** فَدَمعُ الحُزنِ في دَمعِ الدَلالِ
وَلَو
كانَ النِساءُ كَمَن فَقَدْنا *** لَفُضِّلَتِ النِساءُ عَلى الرِجالِ
وَما التَأنيثُ لاِسمِ الشَمسِ عَيبٌ *** وَلا التَذكيرُ فَخرٌ لِلهِلالِ
وَأَفجَعُ مَن فَقَدنا مَن وَجَدنا *** قُبَيلَ الفَقدِ مَفقودَ المِثالِ
يُدَفِّنُ بَعضُنا بَعضًا وَتَمشي *** أَواخِرُنا عَلى هامِ الأَوالي
وَكَم عَينٍ مُقَبَّلَةِ النَواحي *** كَحيلٍ بِالجَنادِلِ وَالرِمالِ
وَمُغضٍ كانَ لا يُغضي لِخَطْبٍ *** وَبالٍ كانَ يُفكِرُ في الهُزالِ
أَسَيفَ الدَولَةِ اِستَنجِد بِصَبرٍ *** وَكَيفَ بِمِثلِ صَبرِكَ لِلجِبالِ
فَأَنتَ تُعَلِّمُ الناسَ التَعَزّي *** وَخَوضَ المَوتِ في الحَربِ السِجالِ
وَحالاتُ الزَمانِ عَلَيكَ شَتّى *** وَحالُكَ واحِدٌ في كُلِّ حالِ
فَلا غيضَت بِحارُكَ يا جَمومًا *** عَلى عَلَلِ الغَرائِبِ وَالدِّخالِ
رَأَيتُكَ في الَّذينَ أَرى مُلوكًا*** كَأَنَّكَ مُستَقيمٌ في مُحالِ
فَإِن
تَفُقِ الأَنامَ وَأَنتَ مِنهُمْ ***فَإِنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزالِ
0 التعليقات:
إرسال تعليق