((وخير الخطائين التوابون))
بشير بوكثير
((وخير الخطائين التوابون))
أخي الغالي الحبيب: عبد النور خبابة.
في أحلك الفترات وأشدّها قتامةً، وحين لاحت نُذر هذه الأزمة الشعرية تَترى بينك وبين أستاذك وأستاذنا الشاعر الملهم (الصالح هندل) ساعتئذ تكسّرت النّصال على النّصال ـ عفواـ الأقلام على الأقلام، وتحرّكت جحافل جنود الحقّ، وكتائب الصّدق، فَكثُر الأخذ والرّدّ، والجزر والمدّ، والإقبال والصّدّ، حتّى اختلط الحابل بالنّابل، ومع أنين القراطيس وهي تتلظّى تحت صرير الأقلام، وحنين الفوانيس وهي تمحو الظّلام، وفي غفلة من النّفس الأمّارة بالسّوء والآثام، تقع الخُطوب الجسام، ويُمتَشق المهنّد الحُسام، وينتظر الحاقدون تطاير الرّؤوس والهام... في غمرة كلّ هذا ينبعث اعتذارك المبلسِم للكُلوم والآلام، فيُدغدغ فينا أوتار الحبّ والوئام ـ نحن الذين أحببناك ولازلنا يا شيخنا وأستاذنا عبد النورـ.
خلال هذه الأزمة لم يخب ظنّي أبدا فيك، ولا في معدنك الأصيل، وخُلقك النّبيل، فجاء الاعتذار، والاعتذار شيمة الأخيار الأبرار الأطهار، وبخاصّة إذا صدر من تلميذ موهوب وبارّ إلى أستاذ فذّ وشاعر ذي باع واقتدار.
أخي الحبيب: عبد النور.
لقد كنتُ على يقين أنّ نقاء سريرتك، وصفاء طويّتك، وجلاء معدنك، وإشراقة مُحيّاك، وماحَباك به الله تعالى من علم غزير، وأدب جمّ وفير، ورجاحة عقل، وشجاعة ونُبل، كلّ هذه الشمائل البهيّة، والخصال السَّنيّة، والخلال الزّكيّة، إذا اجتمعت في عبد مسلم فإنّها ستُعيده إلى الحقّ كلّما ضلّ أو زلّ.
وأحمد الله تعالى الذي لم يُخيّب ظنّي ولا ظنّ أخي الفاضل: الشيخ قدور بن علية فيك، وربما سنحتسي أكوابا من الشاي المعتّق كما تمنّى قريبا في (مقهى سعدودي)، ونجتمع على مأدبة غداء في بيتي ـ إن قبلت دعوتي مشكورا مأجورا إن شاء الله ـ بصحبة إخوة بررة: الأستاذ رابح بلطرش، الصالح هندل، قدور بن علية، ساعد بولعواد.
وإنّي على يقين أيضا، وأن اعتذارك لأستاذك وأخيك الصالح هندل المضمّخ بعبارات الصدق والتحنان، قد محت من نفسه كل شنآن، فعهدي بالأستاذ (الصالح) سمح حليم، ودمث الأخلاق كريم، لسان حاله دوما يردّد ماقاله الشاعر: خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه
ولاتَكُ في كل الأمور تُعاتبُه
فإنك لن تلقى أخاك مهذّبا
وأيُّ امرئ ينجو من العيب صاحبه
واعلم أخي عبد النور أنّ اعتذارك هذا زاد من احترامي لشخصك الكريم، ولن يُنقص من قدرك شيئا ـ كما يظنّ مرضى النفوس ـ.
كما أستسمحك أخي الحبيب عذرا إن كنت قد قسوت عليك بعض الشيء في رسالة العتاب السابقة، وعذري أنّي أحببتك في الله، وأنّ الخطأ حين صدر منك أنت بالذات، زلزل كياني، وهَدَّ أركاني، وحرّك أشجاني، ثم أنطق لساني، فقلت ما قلت مشفقا على أخي الثاني وقلبي الحاني، فعزفت على قيثارتي شجوني وألحاني.
وصدقني لقد لُمت نفسي كثيرا وعاتبتها مُعنّفا، لأنّ بعض عباراتي ربما بدت قاسية، فصدحتُ مع الشاعر حين لام نفسه قائلا:
جاوزتِ في لومه حدًّا أضرّ به من حيث قدّرتِ أنّ اللوم ينفعه
(ورُبَّ ضارة نافعة) يا أخي عبد النور.
وهاأنذا أعتذر منك مجددا يا من علّمتَنا معنى الاعتذار، إن أسأتُ الأدب في حقك وأنت من أنت في الدعوة والخطابة والفصاحة والبلاغة ولاأحد منّا ينكر مواهبك الخارقة. غير أنّ لكل جواد كبوة، ولكل عالم هفوة، ولكل سيف نبوةـ كما تقول العرب ـ.
وفي الأخير لايسعني إلا أن أردِّد مع الشاعر:
فدُم ياسيدي بدرا منيرا وحصنا للمعالي قد تشيّدْ
فكم كنت عظيما في خطئك وعظيما في اعتذارك.
أخوك: بشير بوكثير.
1:48 م
Home
»
»Unlabelled
» ((وخير الخطائين التوابون))
((وخير الخطائين التوابون))
كاتب الموضوع : ساعد بولعواد
الصفحة الرئيسية مدونة الشاعر الأستاذ ساعد بولعواد
0 التعليقات:
إرسال تعليق