رسَالة إلى وَلدِي
أيْ بُنـــيَّ :
أهمُّ ما جَرّبتُ أنّي رأيتُ قولَ الحقِّ والتِزامَهُ، وتََحرِّيَ العَدل وعمَلََهُ، يُكسِبُ الإنسانَ من المَزايا مَا لا يُقدَّرُ، لقد احتمَلتُ في سبيل ذلك بعضَ الآلامِ، وأغضَبتُ بعض الأنامِ، وضَاعت عَليَّ من أجله بعضُ المَصالح، ولكنّي - رَغم ذلك كُلّه – قدِ استفدتُ منه أكثرَ مِمّا خَسِرتُ، لقد استفدتُ منه راحَةَ الضّميرِ، واستفدتُ منه ثِقَة النّاسِ بما أقولُ وأعملُ، واستفدتُ منه حُسنَ ظنِّهم بما يصدُر عنِّي ولو لم يفهَمُوا سبَبَهُ، ومع ذلك فقدِ استفدتُ منه أيضًا ماديّا أكثرَ ممّا استفاد غيري مِمّن لم يلتَزمُوا الحقَّ، ولم يُراعوا الصّدقَ والعدلَ.
وقد دلَّتنِي التّجاربُ على أنَّ أسعدَ النّاس من وضعَ المال في مَوضعِه اللاَّئقِِ به، فلم يَرْفُضهُ رفضًا باتًا، ولم يَذِلَّ له ذُلاٌ تامًا، ونَظَر إلى المَال على أنّه وَسيلَةٌ من وسائل السَّعادة لاَ كُلُّ السَّعادة، ولم يَطلبْهُ إلاّ مع الشَّرَف والعزَّة والإبَاءِ، فإن تَعارَض مَعها، ضَحّى بالمَال للفَضيلَة، وبالغنَى للضَّمير؛ ودلّتنِي التّجاربُ على أنّ الدّينَ أهمُّ أسبابِ السَّعادة؛ وفي الحياةِ السّعيدة - كما دلّتني التَّجربةُ - حياةٌ تَرتَكزُ على الاعتقاد بإله يُركَنُ إليه، ويُعتمَدُ عليه، وتُستمَدَُّ منه المَعونةُ، ويُطلَبُ إليه التَّوفيقُ في الحياةِ، ويُعجبُني في الدّين أن يكون سَمْحا لا غِلظَةَ فيه،وألاَّ يكُونّ ضيقَ الأُفُق، فيُناهِضَ العِلمَ، بل يُؤمن صَاحبُه أنّ الّدّينَ الصّحيحَ لا يُناقضُ العِلمَ الصَّحيحَ ،وأنّه لا بُدّ مِنهُما جَميعا للإنسانيّة .
أحمد أمين - المختار في القراءة السنة الرابعة متوسط 1971 – الصّفحة 117/118. بتصرف
0 التعليقات:
إرسال تعليق