وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الخميس، 7 فبراير 2013

صفات ينبغي توفرها في المعلم



صفات ينبغي توفرها في المعلم

1-            إخلاص العلم لله .
2-            صدق المعلم .
3-            مطابقة القول العمل .
4-            العدل والمساواة .
5-            التحلي بالأخلاق الفاضلة والحميدة .
6-            تواضع المعلم .
7-            شجاعة المعلم .
8-            مزاح المعلم مع تلاميذه .
9-            الصبر واحتمال الغضب .
10-      تجنب الكلام الفاحش البذيء
11-      استشارة المعلم لغيره .


] 1 [ إخلاص العلم لله
أمر عظيم غفل عنه كثير من المعلمين والمربين ، ألا وهو تأسيس وغرس مبدأ إخلاص العلم والعمل لله . وهو أمر لا يفطن له لبعد فئام من الناس عن المنهج الرباني . ولعمر الله كم من علوم مفيدة وأعمال جليلة للأمة ، لم يستفد أصحابها منها شيئاً وذهبت أدراج الرياح وكانت هباءً منثوراً . وذلك لأن أصحابها لم يخلصوا في علومهم وأعمالهم ، ولم يجعلوها في سبيل الله ، ولم يكن همهم نفع إخوانهم المسلمين بهذه العلوم والمعارف والأعمال ، إنما كانت أغراضهم نيل منصب أو جاه ونحو ذلك ، ولذلك استحقت أن تكون هباءً منثوراً ، أي نعم قد ينتفع أولئك بعلومهم ومعارفهم في الدنيا ، من مدح وثناء ونحو ذلك ولكن ذلك عاقبته إلى زوال ولعل الحديث الذي رواه أبو هريرة يجسد ذلك المعنى :
1-                     عن أب هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي r  " .. ورجل تعلم العلم ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها فقال : ما عملت فيها ، قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن ، قال كذبت ، وكنك تعلمت العلم ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .. الحديث "[1] . ولذا كان حري بالمربين والمعلمين أن يغرسوا في نفوس ناشئتهم إخلاص العلم والعمل لله ، وابتغاء الأجر والثواب من الله ، ثم إن حصل بعد ذلك مدح وثناء من الناس فذلك فضل من الله ونعمة والحمد لله . قال ابن رجب : فأما إذا عمل العمل لله خالصاً ، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك ، ففرح بفضل الله ورحمته ، واستبشر بذلك ، لم يضره ذلك . وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر ، عن النبي r أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير يحمده الناس عليه فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " أخرجه مسلم . أهـ . ومدار ذلك كله على النية ، والنية محلها الصدور والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية ( قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله )[2] فمن كانت نيته لله خالصة فليبشر بقبلو عمله ، وأجر من الله ومئوبة .
2-                     عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله r قول " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه "[3]

الخلاصة :
(1)     المعلم أن يغرس في نفوس طلابه حقيقة الإخلاص .
(2)     وعلى المعلم استصحاب تلك الحقيقة في بدايات الأعمال ، والتذكير بها دائماً .

^!^!^
] 2[ صدق المعلم
إن الصدق تاج على رأس المعلم ، إذا فقده فقد ثقة الناس بعلمه ، وبما يمليه عليهم من معلومات . لأن الطالب في الغالب يتقبل من معلمه كل ما يقوله ، فإذا بان للطلاب كذب معلمهم في بعض الأمور ، فإن ذلك ينعكس عليه مباشرة ، ويؤدي إلى سقوطه من أعين طلابه .
والصدق منجاة للعبد في الدنيا والآخرة ، وقد أثنى الله على الصادقين ، ورغب المؤمنين أن يكونوا من أهله بقوله : (  يأيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )[4] ، وأرشد المعلم الأول إلى أن الصدق يهدي إلى الجنة بقوله :
1- ( إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق ويتحى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )[5] وعند تأمل السيرة النبوية ، نجد أن نبيكم r كان يسمى بالصادق الأمين ، ولم يعهد منه كفار مكة كذبة واحدة . ولما بعث وظهر أمره ، عاداه سادات قريش وأعيانهم ، لا لكذبه عليهم ، ولكن استكباراً وتجبراً ، وخوفاً من سقوط هيبتهم وجاههم ومقامهم بين القبائل ، وقد صرح بحقيقة ذلك بعض أعيانهم . ولقد كان لا تصافه r بالصدق أثراً كبيراً في دخول كثير من الناس في دين الله ، ورحم الله ذلك الصحابي[6] الذي عندما رأى النبي r لأول وهلة قال : لما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب !!
[7]وصدق المعلم يدعو المتعلم إلى الثقة به وبما يقول ، ويكسبه احترام المعلمين ، ويرفع من شأنه في عمله ، ويتمثل صدق المعلم في مستلزمات المسئولية الملقاة على عاتقه ، والتي منها نقل المعرفة بما فيها من حقائق ومعلومات للأجيال ، فإن لم يكن المعلم متحلياً بالصدق فإنه سينقل لهم علماً ناقصاً ومبتوراً ، وحقائق ومعلومات مغايرة للصورة التي يجب أن ينقلها ، وإذا تعود التلميذ على قبول هذا السلوك السيء من المعلم فإنه ربما يستحسن هذا العمل حتى يصبح ملازماً له ، وهو أمر خطير على المجتمع أ هـ .
وإليك أيها المعلم مثالاً يبين أثر الكذب على الطلاب . يقول الشيخ محمد جميل زينو : حدث أن سأل أحد الطلاب معلمه مستنكراً تدخين أحد المعلمين ، فأجاب المعلم مدافعاً عن زميله ، بأن سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له ، وحين خرج التلميذ من الصف قال : إن المعلم يكذب علينا . ( قال محمد جميل ) وحبذا لو صدق المعلم في إجابته ، وبين خطأ زميله ، بأن التدخين حرام ، لأنه مضر بالجسم ، مؤذ للجار ، متلف للمال ، فلو فعل ذلك لكسب ثقة الطلاب وحبهم ، ويستطيع أن يقول هذا المعلم إلى طلابه : إن هذا المعلم فرد من الناس تجري عليه الأعراض البشرية ، فهو يصيب ويخطئ .. [8].
  الخلاصة :
(1)     الصدق نجاة للمعلم في الدنيا والآخرة .
(2)            الكذب على الطلاب ، عائق عن التلقي ، وفاقد للثقة .
(3)            الكذب أثره يتعدى إلى المجتمع ، ولا يقتصر على منتحله .
^!^!^
] 3[ مطابقة القول العمل 
قال تعالى :( يأيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون  ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) [9]. أي : لم تقولون الخير ، وتحثون عليه ، وربما تمدحتم به ، وأنتم لا تفعلونه . وتنهون عن الشر ، وربما نزهتم أنفسكم عنه ، وأنتم متلوثن متصفون به . فهل تليق بالمؤمنين ، هذه الحالة الذميمة ؟ أم من أكبر المقت عند الله ، أن يقول العبد ما ل يفعل ؟ . ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه ، والناهي عن الشر ، أن يكون أبعد الناس عنه ، قال تعالى : ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) . وقال شعيب عليه السلام : ( وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ) أهـ[10] .
ورسولنا r كان يأمر الناس بالخير وهو أول من يأتيه ، وكان ينهاهم عن الشر وهو أول من يجتنبه ويبتعد عنه ، وهذا من كمال خلقه عليه الصلاة والسلام ، ولا عجب فقد كان خلقه القرآن . ومطاقة القول العمل ، أسرع في الاستجابة من مجرد القول بمفرده ، يتبين لنا ذلك من خلال عرض هذا الحدث الذي وقع للنبي r ، والمسلمين معه في قصة الحديبية . فعندما صالح المشركون المسلمين على شروط معينة ومنها أن يرجع المسلمون من عامهم هذا عن مكة ويحجوا في عامهم المقبل . قال ابن القيم :
[11]فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله r : " قوموا  فانحروا ، ثم احلقوا " فوالله ما قام منهم رجل واحد حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد[12] ، دخل على أم سلمة ، فذكر لها ما لقي منه الناس ، فقالت أم سلمة : يا رسول الله : أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فقام ، فخرج ، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك : نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأى الناس ذلك ، قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً .
وها يتضح لنا جلياً كيف أن الصحابة تأخروا عن تنفيذ قوله r ، ولكن لما رأوا  أنه بادر إلى ذلك قبلهم ، تبعوه ولم يتخلف منهم أحد .
والمعلم هو أحوج الناس إلى التزام ذلك المنهج في واقع حياته ، لأنه قدوة يحتذى ، وطلابه يأخذون عنه الأخلاق ، والأدب ، والعلم ولعمر الله أي فائدة ترجى من معلم ينقض قوله عمله ![13] . ثم إن التناقض الذي يشاهده الطالب من قبل معلمه يوقعه في حيرة عظيمة ، وكأني بذلك الطالب المحتار وهو يسأل نفسه : لقد احترت في أمري ، ماذا أفعل ، هل أصدق قوله ، أم فعله الذي يناقض قوله ؟ ، فهو يقول لنا : الكذب عادة سيئة مذمومة وعاقبتها إلى الخسران ، ثم نسمعه بعد ذلك مراراً يكذب علينا ! .
من أجل ذلك كان النهي الشديد في قوله تعالى : ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) . فالواجب على المربين والمعلمين أن يتقوا الله في فلذات الأكباد ، فهم أمانة في أعناقهم ، فليحرصوا على تعليمهم ما ينفعهم ، ومطابقة أقوالهم لأعمالهم ، لأن في ذلك ترسيخاً للعلم الذي تعلموه من معلميهم ومربيهم .
قال الغزالي[14] : الوظيفة الثامنة : أن يكون المعلم عاملاً  بعلمه فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر . فإذا خالف العمل العلم منع الرشد وكل من تناول  شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به واتهمه وزاد حرصهم على ما نهوا عنه فيقولون لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به . ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل النقش من الطين والظل من العود فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه ومتى استوى الظل والعود أعوج ؟

قال أبو الأسود الدؤلي[15] :

 يا أيها الرجل المعلمُ غيرهَ



هلا لنفسك كان ذا التعليمُ

لا تنه عن خلق وتأتيَ مثلَه



عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ

وابدأ بنفسك فانهها عن غيها



فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ

فهناك تُقبل إن وعظت ويُقتدى



بالقول منك وينفع التعليمُ

تصفُ الدواءَ لذي السقام الضنا



كيما يصح به وأنت سقيمُ

وأراك تلقح بالرشاد عقولنا



نصحاً وأنت من الرشادِ عديمُ




  الخلاصة :
(1)        الحالة الذميمة التي يتحلى بها من خالف قوله عمله ، وكفى بقوله تعالى : ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) فإنه فيه عظة وعبرة لمن عقل .
(2)        إن مخالفة القول للعمل توقع الطالب في حيرة ، وتجعله لا يستقر على حال .
(3)        عظم المهمة الملقاة على المعلمين والمربين .
^!^!^


[1]  أخرجه مسلم في كتاب الامارة ، والنسائي في الجهاد ، وأحمد في باقي مسند المكثرين ، والترمذي في الزهد .
[2]  سورة آل عمران الآية : 29
[3]  متفق عليه .
[4]  سورة التوبة ، الآية : 119
[5]  متفق عليه .
[6]  هو عبد الله بن سلام رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة/ والدارمي في كتاب الصلاة .
[7]  من هنا يبدأ النقل من كتاب إعداد المعلم / د. عبد الله عبد الحميد محمود . 156 ، 157 .
[8]  نداء إلى المربين ص14 .
[9]  سورة الصف .
[10]  تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان . للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (7/365، 366 ) .
[11]  من هنا يبدأ النقل من زاد المعاد (3/295) .
[12]  لا ينبغي لأحد أن يتأخر عن امتثال أمر رسول الله r البته ، وقد تكلم ابن القيم في زاد المعاد (3/307،308) على سبب تأخر الصحابة رضوان الله عليهم ، عن امتثال أمر النبي في حادثة الحديبية ، فراجعه إن شئت ففيه فوائد .
[13]  يخبرني طالب في إحدى المدارس المتوسطة : أن لديهم مدرس لمادة الدين ، وهو يتصف بثلاث خصال مذمومة ، الأولى : حليق ، والثانية : مسبل ، والثالثة : يتعاطى الدخان !! قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أي علم يؤخذ عن هذا !!
[14]  إحياء علوم الدين . (1/97) ط . دار الحديث .
[15]  مختصر جامع بيان العلم وفضله . لابن عبد البر . اختصره الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي . ص167 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق