وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الأحد، 18 ديسمبر 2011

الكفاية ومفاهيمها



الكفاية و مفاهيمها ( 1 )
        يعتبر مصطلح الكفايات من المصطلحات الحديثة التي أُدخلت إلى القاموس التربوي بالنسبة للمدرسين المغاربة، و بالتالي فإن مفهومها لازال مستعصيا على الغالبية العظمى من رجال التعليم المغاربة ، الشيء الذي دفعني إلى البحث عن كل ما يمكنه أن يساعد أسرة التعليم بالمغرب في فهم هذا المصطلح الجديد القديم ، و أتمنى صادقا أن أكون قد ساهمت و لو بالنذر القليل في فك طلاسم هذا المفهوم الذي أصبح تداوله بالمدرسة المغربية واقعا محتوما ، و عمودا فقريا بالنسبة للمقررات الجديدة.
            و هذه مجموعة من العناوين التي اقتبستها من كتاب تجدون تعريفه أذناه :
§         تعريف الكفايات .
§         تعريف بيير جيلي .
1 ــ تقديم
        الكفايات هي قدرات مكتسبة تسمح بالسلوك و العمل في سياق معين ، ويتكون محتواها من معارف و مهارات و قدرات و اتجاهات مندمجة بشكل مركب . كما يقوم الفرد الذي اكتسبها ، بإثارتها و تجنيدها و توظيفها قصد مواجهة مشكلة ما و حلها في وضعية محددة .
        هذا و إذا كان مفهوم الكفايات ارتبط في بداية ظهوره و انتشاره بمجال التشغيل و المهن و تدبير الموارد البشرية في الإدارات و المقاولات ، فإننا نقترح أن يتسع هذا المفهوم ليغطي كافة التغيرات التي ستصيب ليس فقط العمال و المهنيين ( و من بينهم المعلمين ) بل التلاميذ أيضا أثناء تواجدهم في المدرسة ، بحيث لا يبقى مدخل الكفايات قاصرا على إعداد الأطر المهنية بما فيها أطر التعليم ، بل ينبغي أن يتحول هذا النموذج إلى أداة لتنظيم المناهج و تنظيم الممارسات التربوية في المنظومة التعليمية . ذلك أننا نجد أن نفس المبررات التي يتم اعتمادها عادة في الدعوة إلى تنظيم الكفايات في المجال المهني . تبقى صالحة لتبرير دعوتنا لاعتماد هذا المدخل في الحقل المدرسي و في إطار علم التدريس ، خاصة و أن نموذج التدريس الهادف في صيغته السلوكية و الإجرائية أصبح عاجزا الآن عن حل العديد من المشكلات العالقة في الحقل المدرسي و نخص منها بالذكر صعوبة الأجرأة ( الصياغة الإجرائية للأهداف التربوية ) في العديد من المجالات و كذلك الفصل المصطنع الذي يتم بين ما هو عقلي و ما هو حركي و بينهما و بين ما هو وجداني في شخصية المتعلم .
        إن التدريس الذي يتأسس على مدخل الكفايات ، لا بد أن يبلغ مقاصده ، لأنه لا يتناول شخصية التلميذ تناولا تجزيئيا . إن الكفاية ككيان مركب تفترض الاهتمام بكل مكونات شخصية المتعلم ، سواء على المستوى العقلي أو الحركي أو الوجداني . إن الكفاية تيسر عملية تكييف الفرد مع مختلف الصعوبات و المشكلات التي يفرضها محيطه، و التي لا يمكن أن يواجهها من خلال جزء واحد من شخصيته ، بل بالعكس من ذلك ، فإن تضافر مكونات الشخصية ، أي المعرفة و العمل و الكينونة هو الكفيل بمنح الفرد القدرة على مواجهة المستجدات و التغلب على التحديات .
        و  سنعمل في إطار تعريفنا للكفايات على تقديم جملة من التعاريف التي كانت تربط هذا المفهوم ببعض الحقول المعرفية و المهنية ، قبل أن نخلص إلى التعاريف التي بدأت توظف هذا المفهوم في مجال التدريس .
        لكن لا بد من التذكير منذ البداية بالحقيقة الأساسية التالية :
         وجدنا في تحليلنا لمختلف التعاريف التي قدمت للكفايات ، أنها تتأرجح بشكل عام ، بين الفهم السلوكي ( البيهافيوري ‎Behavioriste ) و الفهم الذهني ( المعرفي ‎Cognitiviste ) .
        ذلك أن بعض الأعمال و البحوث تذهب إلى تعريف الكفاية باعتبارها سلسلة من الأعمال و الأنشطة القابلة للملاحظة ، أي جملة من السلوكيات النوعية الخاصة ( خارجية وغير شخصية ) و ينتشر هذا التفسير بالأساس في مجالين :
·         التكوين المهني ؛
·         و في بعض الكتابات المتعلقة بنموذج التدريس بواسطة الأهداف .
        في حين ينظر إلى الكفاية تارة أخرى ، كإمكانية أو استعداد داخلي ذهني ، غير مرئي ‎Potentialité invisible  من طبيعة ذاتية وشخصية . و تتضمن الكفاية حسب هذا الفهم و حتى تتجسد و تظهر ، عددا من الانجازات ( الأداءات ‎Performances ) باعتبارها مؤشرات تدل على حدوث الكفاية لدى المتعلم .
        لكن الاتجاه الذي تبنيناه نحن في دراستنا هذه ، يندرج بشكل عام ضمن هذا المنظور الأخير و الذي يعتبر الكفاية قدرات عقلية  داخلية و من طبيعة ذاتية وشخصية . و سنعمل في العناوين اللاحقة على استعراض جملة من التعاريف خاصة تلك التي ترفض التقيد بالفهم السلوكي للشخصية و تستبعد تفسير التعلم و التعليم بردهما إلى قانون "المثير و الاستجابة " .
        و لا بأس أن نشير إلى معنى الكفاية في لغتنا ، ففي اللغة العربية فإن أهم تعريف للكفاية أو الكفاءة هو الذي يورده ابن منظور في " لسان العرب " ( دار الجيل ، بيروت ـ المجلد الخامس ـ ص 269 حيث ذكر:
    قول حسان بن ثابت : وروح القدس ليس له كِفاءُ ،أي جبريل عليه السلام ، ليس له نظير و لا مثيل .
    و الكَفىءُ : النظير ، و كذلك الكفء و المصدر الكفاءة .
    و الكُفاة : النظير و المساوي .
    يقول تعالي : (( لم يلد و لم يولد و لم يكن له ، كُفُؤا أحد )) .
    و يقال كَفَأْتُ القِدر و غيرها ، إذا كببتها لتفرغ ما فيها.
    الكُفَاة : الخدم الذين يقومون بالخدمة ، جمع كاف ، و كفى الرجل كفاية ، فهو كاف ، إذا قام بالأمر .    
  

هامش : أخذت هذه المعلومات من كتاب للباحث المغربي د . محمد الدريج ، عنوانه "الكفايات في التعليم ، من أجل تأسيس علمي للمنهاج المندمج " و الكتاب يتطرق إلى مفهوم الكفايات في شتى المجالات و هو جدير بأن يحفظ في الخزانة الشخصية لكل مدرس مغربي و عربي .

0 التعليقات:

إرسال تعليق