الكفاية و مفاهيمها ( 1 )
يعتبر مصطلح الكفايات من المصطلحات الحديثة التي أُدخلت
إلى القاموس التربوي بالنسبة للمدرسين المغاربة، و بالتالي فإن مفهومها لازال
مستعصيا على الغالبية العظمى من رجال التعليم المغاربة ، الشيء الذي دفعني إلى البحث
عن كل ما يمكنه أن يساعد أسرة التعليم بالمغرب في فهم هذا المصطلح الجديد القديم ،
و أتمنى صادقا أن أكون قد ساهمت و لو بالنذر القليل في فك طلاسم هذا المفهوم الذي
أصبح تداوله بالمدرسة المغربية واقعا محتوما ، و عمودا فقريا بالنسبة للمقررات
الجديدة.
و هذه مجموعة من العناوين التي اقتبستها من كتاب تجدون تعريفه أذناه :
§
تعريف الكفايات
.
§
تعريف بيير جيلي .
1 ــ تقديم
الكفايات
هي قدرات مكتسبة تسمح بالسلوك و العمل في سياق معين ، ويتكون محتواها من معارف و
مهارات و قدرات و اتجاهات مندمجة بشكل مركب . كما يقوم الفرد الذي اكتسبها ، بإثارتها
و تجنيدها و توظيفها قصد مواجهة مشكلة ما و حلها في وضعية محددة .
هذا و إذا كان
مفهوم الكفايات ارتبط في بداية ظهوره و انتشاره بمجال التشغيل و المهن و تدبير
الموارد البشرية في الإدارات و المقاولات ، فإننا نقترح أن يتسع هذا المفهوم ليغطي
كافة التغيرات التي ستصيب ليس فقط العمال و المهنيين ( و من بينهم المعلمين ) بل
التلاميذ أيضا أثناء تواجدهم في المدرسة ، بحيث لا يبقى مدخل الكفايات قاصرا على
إعداد الأطر المهنية بما فيها أطر التعليم ، بل ينبغي أن يتحول هذا النموذج إلى
أداة لتنظيم المناهج و تنظيم الممارسات التربوية في المنظومة التعليمية . ذلك أننا
نجد أن نفس المبررات التي يتم اعتمادها عادة في الدعوة إلى تنظيم الكفايات في
المجال المهني . تبقى صالحة لتبرير دعوتنا لاعتماد هذا المدخل في الحقل المدرسي و
في إطار علم التدريس ، خاصة و أن نموذج التدريس الهادف في صيغته السلوكية و
الإجرائية أصبح عاجزا الآن عن حل العديد من المشكلات العالقة في الحقل المدرسي و
نخص منها بالذكر صعوبة الأجرأة ( الصياغة الإجرائية للأهداف التربوية ) في العديد
من المجالات و كذلك الفصل المصطنع الذي يتم بين ما هو عقلي و ما هو حركي و بينهما
و بين ما هو وجداني في شخصية المتعلم .
إن التدريس
الذي يتأسس على مدخل الكفايات ، لا بد أن يبلغ
مقاصده ، لأنه لا يتناول شخصية التلميذ تناولا تجزيئيا . إن الكفاية ككيان مركب
تفترض الاهتمام بكل مكونات شخصية المتعلم ، سواء على المستوى العقلي أو الحركي أو
الوجداني . إن الكفاية تيسر عملية تكييف الفرد مع مختلف الصعوبات و المشكلات التي
يفرضها محيطه، و التي لا يمكن أن يواجهها من خلال جزء واحد من شخصيته ، بل بالعكس
من ذلك ، فإن تضافر مكونات الشخصية ، أي المعرفة و العمل و الكينونة هو الكفيل
بمنح الفرد القدرة على مواجهة المستجدات و التغلب على التحديات .
و سنعمل
في إطار تعريفنا للكفايات على تقديم جملة من التعاريف التي كانت تربط هذا المفهوم
ببعض الحقول المعرفية و المهنية ، قبل أن نخلص إلى التعاريف التي بدأت توظف هذا
المفهوم في مجال التدريس .
لكن لا بد من
التذكير منذ البداية بالحقيقة الأساسية التالية :
وجدنا في
تحليلنا لمختلف التعاريف التي قدمت للكفايات ، أنها تتأرجح بشكل عام ، بين الفهم
السلوكي ( البيهافيوري Behavioriste ) و الفهم الذهني ( المعرفي Cognitiviste ) .
ذلك أن بعض الأعمال
و البحوث تذهب إلى تعريف الكفاية باعتبارها سلسلة من الأعمال و الأنشطة القابلة
للملاحظة ، أي جملة من السلوكيات النوعية الخاصة ( خارجية وغير شخصية ) و ينتشر
هذا التفسير بالأساس في مجالين :
·
التكوين
المهني ؛
·
و في
بعض الكتابات المتعلقة بنموذج التدريس بواسطة الأهداف .
في حين ينظر
إلى الكفاية تارة أخرى ، كإمكانية أو استعداد داخلي ذهني ، غير مرئي Potentialité invisible من طبيعة ذاتية
وشخصية . و تتضمن الكفاية حسب هذا الفهم و حتى تتجسد و تظهر ، عددا من الانجازات (
الأداءات Performances ) باعتبارها مؤشرات تدل على حدوث الكفاية لدى المتعلم .
لكن الاتجاه
الذي تبنيناه نحن في دراستنا هذه ، يندرج بشكل عام ضمن هذا المنظور الأخير و الذي
يعتبر الكفاية قدرات عقلية داخلية و من طبيعة ذاتية وشخصية . و سنعمل في
العناوين اللاحقة على استعراض جملة من التعاريف خاصة تلك التي ترفض التقيد بالفهم
السلوكي للشخصية و تستبعد تفسير التعلم و التعليم بردهما إلى قانون "المثير و
الاستجابة " .
و لا بأس أن
نشير إلى معنى الكفاية في لغتنا ، ففي اللغة العربية فإن أهم تعريف للكفاية أو
الكفاءة هو الذي يورده ابن منظور في " لسان العرب " ( دار الجيل ، بيروت
ـ المجلد الخامس ـ ص 269 حيث ذكر:
قول حسان بن ثابت : وروح القدس ليس له
كِفاءُ ،أي جبريل عليه السلام ، ليس له نظير و لا مثيل .
و الكَفىءُ : النظير ، و كذلك الكفء و
المصدر الكفاءة .
و الكُفاة : النظير و المساوي .
يقول تعالي : (( لم يلد و لم يولد و لم
يكن له ، كُفُؤا أحد )) .
و يقال كَفَأْتُ القِدر و غيرها ، إذا
كببتها لتفرغ ما فيها.
الكُفَاة : الخدم الذين يقومون بالخدمة
، جمع كاف ، و كفى الرجل كفاية ، فهو كاف ، إذا قام بالأمر
.
هامش : أخذت هذه المعلومات من كتاب للباحث المغربي د . محمد
الدريج ، عنوانه "الكفايات في التعليم ، من أجل تأسيس علمي للمنهاج المندمج
" و الكتاب يتطرق إلى مفهوم الكفايات في شتى المجالات و هو جدير بأن يحفظ في
الخزانة الشخصية لكل مدرس مغربي و عربي .
0 التعليقات:
إرسال تعليق