وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الأربعاء، 15 فبراير 2012

قصيدة واحرّ قلباه تحليل بنيوي سيميائي


قصيدة واحرّ قلباه
تحليل بنيوي سيميائي


-البحر

تتحدد الهوية العروضية للقصيدة في بحر البسيط ووزنه هو:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن // مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن.
إن هذا الانتماء العروضي محدداً في البسيط يفرض علينا التوقف عند بعض الإشكاليات النظرية والأحكام النقدية المرتبطة به.

-نسبة شيوعه في الشعر العربي وفي الشعر الغربي:

1- نسبة شيوعه في الشعر العربي: يحتل البسيط المرتبة الثانية بعد الطويل، ويشاركه في هذه المرتبة الكامل، وذلك بناءاً على عملية إحصائية قام بها الدكتور إبراهيم أنيس لتحديد نسبة مختلف الأوزان الشعرية في عصور مختلفة، فتوصل إلى أن:
"البحر الطويل قد نظم منه ما يقرب من ثلث الشعر العربي، وأنه الوزن الذي كان القدماء يؤثرونه على غيره ويتخذونه ميزاناً لأشعارهم، ولا سيما في الأغراض الجدية الجليلة الشأن []. ثم نرى كلاً من الكامل والبسيط يحتل المرتبة الثانية في نسبة الشيوع، وربما جاء بعدهما كل من الوافر والخفيف، وتلك هي البحور الخمسة التي ظلت في كل العصور موفورة الحظ يطرقها كل الشعراء، ويكثرون النظم منها، وتألفها آذان الناس في بيئة اللغة العربية"([1])
وسيحتفظ البسيط بنفس المرتبة تقريباً في الشعر العربي الحديث من خلال أعلامه الذين يصنفون في المدرسة الكلاسيكية كالبارودي وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي([2])

ب- نسبة شيوع البسيط في شعر المتنبي:

يحتل البسيط المرتبة الثالثة في ديوان المتنبي بعد الطويل والكامل، وهذه نسب البحور في شعره "الطويل 28 بالمئة، الكامل 19 بالمئة، البسيط 16 بالمئة، الوافر 14 بالمئة، الخفيف 9 بالمائة، المنسرح 7 بالمائة، المتقارب 16 بالمائة، الرجز 2 بالمائة، السريع 1 بالمائة"([3])
انطلاقاً من نسبة شيوع البسيط في الشعر العربي وفي شعر المتنبي، نستنتج ما يلي:
أولاً : إن نسبة شيوع البسيط في الشعر العربي ذات دلالة مهمة، فهذا يعني أنه كشكل إيقاعي استطاع احتواء تجارب شعرية مختلفة، على امتداد عصور متباعدة:
     (العصر الجاهلي، العصر العباسي، العصر الحديث).
ثانياً : هناك تطابق بين نسبة شيوع البسيط في الشعر العربي وبين نسبة شيوعه في شعر المتنبي، وهذا يؤكد أن شعره لا يخرق قاعدة شيوع أوزان معينة في الشعر العربي، بل يؤكدها (الطويل- الكامل- البسيط) شأنه في ذلك شأن معظم الشعراء الذين عاشوا في نفس عصره فقد "ظل شعراؤه يحتفظون بنسب القدماء في أوزان الشعر وبحوره، ولكن عنايتهم بالمجزوءات قد زاد زيادة ملحوظة"([4]).
إن الملاحظة التي سيتم التركيز عليها هي أن انتماء القصيدة إلى بحر كثير الشيوع في الشعر العربي، وفي شعر المتنبي، ستترتب عليه مجموعة من الأحكام النقدية المعيارية، ومن بينها علاقة البحر بالغرض الشعري.

علاقة البحر بالغرض الشعري:

إن العلاقة بين البحر كشكل إيقاعي، والغرض الشعري كعنصر دلالي، تفرض نفسها عند التعامل مع أي نص شعري قديم، نظراً لعدة عوامل من أهمها بعض الأحكام النقدية الجاهزة والشائعة حول العلاقة بين الوزن والغرض الشعريين. ولابد في البداية من التوقف عند بعض المعطيات، النظرية التي أفرزها النقاش حول إشكالية موسيقى الشعر ومعناه في النقد العربي القديم والحديث، قبل الانتقال إلى تحليل النص على مستوى الإيقاع.
يمكن القول باختصار إن العلاقة بين موسيقى الشعر ومعناه إشكالية لم تحظ باهتمام النقاد والعروضيين العرب، بخلاف قضايا نقدية أخرى معروفة (القدم والحداثة، اللفظ والمعنى، الطبع والصنعة، الإعجاز الخ) فالعروضيون كانوا "علماء لغة همهم البحث في الأشكال اللغوية، في المعاني التي تؤديها أو علاقتها بتلك المعاني"([5]). وظلت مساهمتهم غائبة بصفة عامة، لا تلامس إشكالية موسيقى الشعر ومعناه، بل تنغلق في لغته.
إذا انتقلنا إلى النقاد القدماء نصادف مساهمتين متفاوتتي الأهمية النظرية: الأولى لأبي هلال العسكري، والثانية لحازم القرطاجني.
يقول أبو هلال العسكري: "وإذا أردت أن تعمل شعراً فأحضر المعاني التي تريد ينظمها فكرك وأخطرها على قلبك، واطلب لها وزناً يتأتى فيه إيرادها وقافية يحتملها.. فمن المعاني ما تتمكن من نظمه في قافية ولا تتمكن منه في أخرى.. أو تكون في هذه أقرب طريقاً وأيسر كلفة منه في تلك.. ولأن تعلو الكلام فتأخذه من فوق فيجيء سلساً سهلاً ذا طلاوة ورونق خير من أن يعلوك فيجيء، قفراً فجاً ومنتجعاً جلفاً.."([6])
يربط أبو هلال العسكري في الفقرة السابقة بين أوزان شعرية معينة ومعانٍ معينة، إلا أنه لم يطرح إشكالية موسيقى الشعر ومعناه بكيفية دقيقة ومفصلة، ومن هنا تبقى مساهمته محدودة الأهمية.
إن حازم القرطاجني هو الناقد العربي الوحيد الذي أثار إشكالية موسيقى الشعر ومعناه بعمق بالنسبة للقدماء، فقد ربط بشكل واضح بين أوزان معينة، وأغراض ومعان معينة:
"ولما كانت أغراض الشعر ستة وكان منها ما يقصد به الجد والرصانة وما يقصد به الهزل والرشاقة، [ومنها ما يقصد به الهزل والرشاقة]، ومنها ما يقصد به البهاء والتفخيم وما يقصد به الصغار والتحقير، وجب أن تحاك تلك المقاصد بما يناسبها من الأوزان ويخيلها للنفوس فإذا قصد الشاعر الفخر حاكى غرضه بالأوزان الفخمة الباهية الرصينة، وإذا قصد في موضع قصداً هزلياً واستخفافياً وقصد تحقير شيء أو العبث به حاكى ذلك بما يناسبه من الأوزان الطائشة القليلة البهاء، وكذلك في كل مقصد، وكانت شعراء اليونانيين تلتزم لكل غرض وزناً يليق به ولا تتعداه فيه إلى غيره"([7]).
إذا كان حازم في الفقرة السابقة يربط بين أغراض شعرية وأوزان شعرية بكيفية عامة، فإنه في الفقرة التي سنشير إليها، يخصص معاني معينة لأوزان معينة: "فالعروض الطويل تجد فيه أبداً بهاءاً وقوة، وتجد للبسيط بساطة وطلاوة، وتجد للكامل جزالة وحسن إطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب بساطة وسهولة، وللمديد رقة وليناً مع رشاقة، وللرمل ليناً وسهولة . ولما في المديد والرمل من اللين كان أليق بالرثاء وما جرى مجراه بغير ذلك من أغراض الشعر، وقد أشرنا إلى حال ما بقي من الأوزان"([8]).
يربط حازم القرطاجني بين موسيقى الشعر (البحر) ومعناه (الغرض)، فيطلق مجموعة من الأوصاف المتعددة على بحور مختلفة.
وفي العصر الحديث اهتم النقاد العرب بإشكالية موسيقى الشعر ومعناه، فظهرت عدة دراسات تتمحور حولها([9])، وسنركز على دراسة واحدة للدكتور عبد الله الطيب متمثلة في كتابه "المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها"([10]) نظراً لعدة اعتبارات منهجية من أهمها:
أولاً : أنه خصص حيزاً مهماً لمناقشة الإشكالية.
ثانياً : أنه أصدر أحكاماً نقدية معيارية حول علاقة البحور الشعرية بمعاني وأغراض معينة، ومن بينها البسيط الذي تنتمي إليه القصيدة عروضياً.
يعلن عبد الله الطيب في بداية إشارته لإشكالية موسيقى الشعر ومعناه، أن الفرضية  التي يسعى لتوضيحها تتحدد في التناسب بين أوزان الشعر ومعانيه: "ومرادي أن أحاول بقدر المستطاع تبيين أنواع الشعر التي تناسب البحور المختلفة. وقد يقول قائل ما معنى قولك هذا؟ أتعني أن أغراض الشعر المختلفة تتطلب بحوراً بأعينها، وتنفر عن بحور بأعينها؟ هذا عين الباطل! ألسنا نجد مراثي في الطويل، وأُخر في البسيط وأخر في المنسرح، وهلم جرا.
ألا يدل هذا على أن أي بحر من البحور يصلح أن يُنظم فيه لأي غرض من الأغراض الشعرية؟
وجوابي عن هذا السؤال: بلى، كما يبدو ويظهر، ولكن كلا وألف كلا، لو تأمل الناقد ودقق وتعمق. فاختلاف أوزان البحور نفسه، معناه أن أغراضاً مختلفة دعتْ إلى ذلك، وإلا فقد كان أغنى بحر واحد، ووزن واحد"([11]).
لقد حاول عبد الله الطيب البرهنة على صحة فرضيته السابقة، فاستقرأ نماذج شعرية عربية تشمل كل البحور تقريباً، ومن مختلف العصور التاريخية ومن بينها العصر الحديث، إلا أنه ارتكب أخطاء عديدة، تنبه إليها بعض النقاد ومن بينهم محمد شكري عياد الذي انتقد ربط عبد الله الطيب بين أوزانٍ معينة ومعانٍ معينة، لأنه "لا يستند في تمييزه بين الخصائص المعنوية للأوزان العربية إلى أي أساس موضوعي. ولا شك أنه تتبع في هذا الكتاب نماذج كثيرة من الشعر العربي قديمه وحديثه، ، ولكنه لم يحاول أن يخضع هذه النماذج لأي نوع من التحليل، بل اكتفى بإثبات انطباعه الخاص عن كل وزن، وتأييد هذا الانطباع ببعض الشواهد"([12]).
إن هذا الانتماء وجيه وموضوعي، لأن عبد الله الطيب ينطلق من أحكام جاهزة حول مختلف البحور الشعرية، وبعد ذلك يلجأ إلى المتن الشعري، لاختيار نماذج شعرية منتقاة لتأكيد شرعية وصحة تصوره النظري المسبق، وكان عليه أن يفعل العكس، أي أن ينطلق من الممارسة الشعرية لصياغة تصوره النظري ولإصدار أحكام نقدية.
- يقع عبد الله الطيب في تناقض منهجي- دون أن يعي ذلك- فهو يقر أحياناً بصلاحية البحر الواحد لمعانٍ وأغراضٍ مختلفة ، ألا يعني ذلك ضمنياً أن البحر شكل إيقاعي يكتسب أهميته انطلاقاً من قدرة الشاعر الخاصة على توظيفه للتعبير عن تجربته الشعرية والشعورية، وهذه هي الأطروحة التي يدافع عنها البحث ويتبناها.
- إن أحكام عبد الله الطيب حول التناسب بين أوزان الشعر ومعانيه لا تنطلق من استقراء شامل وكلي للشعر العربي، بل تستند إلى استقراء ناقص وجزئي يشمل قصائد منتقاة تبعاً لحس ذوقي معين.
لا يكتفي في محمد شكري عياد بالانتقاد العام الموجه إلى التصور النظري لعبد الله الطيب، بل ينتقد بعض أحكامه المرتبطة ببحور معينة، كنعته المنسرح بالتخنث والتكسر:
"فإننا لا نملك أن نصور المنسرح بصورة الراقص المتكسر أو المغني المخنث وهذا التصوير والتقريب لا يناقض ما قدمناه من أن هذه الأبحر جميعاً تصلح للغناء، ومع التكسر والرقص والتثني نجد في المنسرح لوناً جنسياً يشبه لون المتقارب المجزوء.."([13]).
ويرى عياد أن عبد الله الطيب ينفرد في نعته المنسرح بالتخنث والتكسر والطابع الجنسي، رغم إقرار بعض النقاد أنه يتصف باضطراب موسيقي([14]). "ذلك أننا لا نجد أحداً وصفه بالتكسر والتخنث غير صاحب "المرشد" والشواهد التي جاء بها في ذلك غير مقنعة، لأن معظمها في الرثاء"([15]). ويورد عياد دليلاً من الشعر العربي يثبت خطأ رأي عبد الله الطيب في المنسرح، فالمتنبي نظم فيه سبعة في المائة من شعره رغم خلو شعره من صفتي التخنث والتكسر: "على أن المتنبي. وما أبعده عن محل هذه الصفات- قد نظم في هذا البحر سبعة في المائة من شعره. مقدراً بعدد الأبيات حسب إحصاء الدكتور إبراهيم أنيس، وهي نسبة عالية جداً بالقياس إلى غيره من الشعراء، وإلى ما نظم هو نفسه في الأوزان الشديدة الشيوع فهو ربع ما نظمه في الطويل ونصف ما نظمه في الكامل"([16]).
لا داعي للاستمرار في مناقشة الأخطاء التي ارتكبها عبد الله الطيب في كتابه عند إثارته لإشكالية موسيقى الشعر ومعناه، ونكتفي بالتأكيد على الملاحظات الأساسية التالية:
أولاً : إن البحر شكل إيقاعي محايد، قابل لاحتواء تجارب شعرية وشعورية مختلفة، ولأنه كذلك فهو لا يملك امتيازاً مسبقاً، فالشاعر هو الذي يمنحه إياه، انطلاقاً من قيمة إبداعه الشعري، وقدرته على توظيف البحر توظيفاً موفقاً وإيجابياً للتعبير عن أحاسيسه وأفكاره. تأسيساً على الفكرة السابقة يجب تجاوز النظرة التقليدية التي تربط بين أوزان معينة ومعان معينة، مع الإبقاء على أحد عناصرها المتمثل في التأكيد على الأهمية الكمية للبحر والتي تلائم أغراضاً معينة، فالبحور الطويلة مثلاً تصلح للمدح والفخر في حين تناسب القصيرة والمجزوءة الغناء والغزل.
ثانياً     : إن المقولة المتمثلة في احتكار أوزان معينة لأغلب الشعر العربي (الطويل- البسيط- الكامل- الوافر) واقع شعري لا مناص من قبولـه. لكننا لا ينبغي أن ننطلق منه لإصدار أحكام معينة، فيصبح موجهاً لتصورنا النظري حول إشكالية موسيقى الشعر ومعناه، والمثير للانتباه هو أن أهمية البحر أو الوزن الشعري ينسجم مع نسبة شيوعه في الشعر العربي، لذلك فإن البحر الطويل الذي نظم فيه ثلث الشعر العربي تقريباً يحظى بأهمية خاصة، وخصوصاً من طرف النقاد الذين يتبنون الربط بين الأوزان والمعاني، وكلما قلت نسبة شيوع البحر كلما قلت أهميته. والأطروحة التي يقترحها البحث هي كالتالي: يجب أن نتحرر من كل الأحكام المعيارية والمستهلكة حول المفاضلة بين البحور تبعاً لنسبة شيوعها، وتبعاً للتناسب بينها وبين معانٍ وأغراضٍ معينة، وعوض الاهتمام بالبحر يجب الاهتمام بالنص الشعري المفرد والتساؤل عن مدى نجاح الشاعر أو فشله في إخضاع البحر كشكل إيقاعي لتجربته الشعرية والشعورية، فليست كل القصائد التي نظمت في البحور الطويلة متميزة، وليست كل القصائد التي نظمت في البحور القصيرة محدودة القيمة..
إذا كان عبد الله الطيب يتبنى الربط بين موسيقى الشعر ومعناه، فإن الدكتور إبراهيم أنيس يؤكد أن: "استقراء القصائد القديمة وموضوعاتها لا يكاد يشعرنا بمثل هذا التغير، أو الربط بين موضوع الشعر ووزنه: فهم كانوا يمدحون ويفاخرون أو يتغزلون في كل بحور الشعر التي شاعت عندهم. ويكفي أن نذكر المعلقات التي قيلت كلها في موضوع واحد تقريباً، ونذكر أنها نظمت من الطويل والبسيط والخفيف والوافر والكامل، لنعرف أن القدماء لم يتخيروا وزناً خاصاً لموضوع خاص، بل حتى ما أسماه صاحب المفضليات بالمراثي جاءت من الكامل والطويل والبسيط والسريع والخفيف"([17]).
وبدل الربط بين أوزان الشعر ومعانيه، يتبنى إبراهيم أنيس الربط بين البحور والانفعالات النفسية، مؤكداً أن هذه الأخيرة هي التي تتحكم في طول أو قصر البحور:
"وفي الحق أن النظم حين يتم في ساعة الانفعال النفساني يميل عادة إلى تحيِّر البحور القصيرة، وإلى التقليل من الأبيات"([18]) ويوضح هذه الفكرة بواسطة أمثلة متعددة، فيرى أن: "المدح ليس من الموضوعات التي تنفعل لها النفوس، وتضطرب لها القلوب، وأجدر به أن يكون في قصائد طويلة وبحور كثيرة المقاطع، كالطويل والبسيط والكامل، ومثل هذا يمكن أن يقال في الوصف بوجه عام"([19])
ويقول عن الغزل: "أما الغزل الثائر العنيف الذي قد يشتمل على وله ولوعة، فأحرى به أن ينظم في بحور قصيرة أو متوسطة وألا تطول قصائده، ومثل هذا مثل كل شعر ينظم في مجالس العبث واللهو ووصف معاقرة الخمر مما كان يُتغنّى به أيام العباسيين، وما كان يسمى بشعر المجون"([20]).
إن الفكرة الأساسية التي يسعى د. إبراهيم أنيس إلى تأكيدها تتحدد في الربط بين الانفعالات النفسية وطبيعة البحر الكمية على المستوى العروضي (القصر- الطول). إن الانتقاد الذي يمكن أن يوجه إلى هذه الرؤية، هو أننا لا نتوفر على معطيات تاريخية وتوثيقية دقيقة حول طقوس نظم الشعر العربي القديم وحتى الحديث، فنحن نجهل زمن النظم بمختلف مراحله المعقدة، ولا نستطيع الجزم بأنه تزامن وتلا انفعالات نفسية معينة لشعراء مختلفين، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الفرضية التالية: إن الكثير من القصائد الطويلة والتي تعكس انفعالاً سلبياً نظمت متزامنة مع هذا الأخير، ولم ينتظر مبدعوها زواله ليتسنى لهم النظم في بحور طويلة، لا لشيء سوى لأن الشعر-حسب رأي إبراهيم أنيس- "إذا قيل وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي، وتطلب بحراً قصيراً يتلاءم وسرعة التنفس وازدياد النبضات القلبية"([21]).
ومع ذلك، فإن رؤية إبراهيم أنيس تتضمن جانباً يؤكده استقراء الشعر العربي، وهو أن أغراضاً شعرية معينة نظمت في بحور معينة تبعاً لطولها أو قصرها.


([1]) موسيقى الشعر. د. إبراهيم أنيس، دار العودة، بيروت، ط1. ص16.
([2]) نفسه. ص18.
([3]) نفسه. ص216.
([4]) موسيقى الشعر. ص216.
([5]) موسيقى الشعر العربي، د. شكري محمد عياد، دار المعرفة، القاهرة، مصر، ط2، 1978، ص149.
([6]) الصناعتين، أبو هلال العسكري، تحقيق د. مفيد قمبعة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط ، ص157.
([7]) منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني، تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 1982، ص266.
([8]) نفسه. ص269.
([9]) يراجع: في سيمياء الشعر القديم، د. محمد مفتاح، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1982، ص: (40-41  ).
([10]) المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها، د. عبد الله الطيب، دار الفكر، بيروت، ط2، 1970، ج Iص72-444.
([11]) المرشد. الجزء الأول. ص:72.
([12]) موسيقى الشعر العربي. ص16-17.
([13]) المرشد. الجزء الأول. ص: 175.
([14]) يراجع منهاج البلغاء وسراج الأدباء. ص: 268 وموسيقى الشعر: ص94- 95.
([15]) موسيقى الشعر. ص18.
([16]) نفسه. ص18.
([17]) موسيقى الشعر. ص195.
([18]) نفسه. ص197.
([19]) نفسه. ص196.
([20]) موسيقى الشعر. ص196.
([21]) موسيقى الشعر. ص196.
.............................................يتبع

2 التعليقات:

  1. أ.د.عمر محمد الطالب



    عزف على وتر النص الشعري
    دراســــــــة فــي
    تحلــيل النصـــوص الأدبيــة الشعريـة



    من منشورات اتحاد الكتّأب العرب
    دمشق - 2000

    ردحذف