وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
السبت، 11 فبراير 2012

العلامة الألباني رحمه الله تعالى وجهوده وتضحياته


العلامة الألباني رحمه الله تعالى

وجهوده وتضحياته
هو ناصر الدين بن نوح نجاتي بن آدم ، وقد أضاف إلى اسمه محمد لما في اسمه الذي سمي به من تزكية، ويكنَّى بأبي عبد الرحمن، واشتهر بالألباني، نسبة إلى ألبانيا إحدى الولايات الإسلامية في البلقان .
ولادته : وُلِدَ رحمه الله تعالى في مدينة "اشقودرة" عاصمة ألبانيا حينئذ سنة 1333هـ الموافق 1914م ، وهاجر بصحبة والده إلى دمشق وكان عمره آنذاك تسع سنوات ، ونشأ فيها .


دراسته وشيوخه :
نشأ رحمه الله في دمشق وتلقى تعليمه الابتدائي فيها ثم أخرجه والده من التعليم النظامي واعتنى به ودرَس عليه القرآن والفقه الحنفي، ثم عزز ما تلقاه عن والده بما تلقاه عن الشيخ سعيد البرهاني، وقدم الشيخ محمد راغب الطباخ وثيقة "الأنوار الجلية في مختصر الأثبات الحلبية" وإجازته للشيخ الألباني في علم الحديث .
ولقد اعتنى الشيخ الألباني رحمه الله تعالى بهذا المجال ، فأنشأ نفسه بنفسه ، وهو في العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار للشيخ محمد رشيد رضا حتى أصبح إمام أهل السنة والجماعة في هذا الزمان ، وعُدَّ عمدة أهل الحديث في زمانه.
قال عنه الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني :
·       توجهه إلى علم الحديث :
توجه الفتى إلى علم الحديث في نحو العشرين من عمره متأثراً بأبحاث مجلة المنار التي كان يصدرها الشيخ "محمد رشيد رضا"رحمه الله.يقول الشيخ محمد المجذوب في كتابه " علماء ومفكرون " من حديث له مع الشيخ ناصر : " وركز الشيخ من بين الموجهين له على السيد رشيد رضا الذي يعتبره من أكبر الرجال أثراً في دفعه إلى دراسة الحديث الشريف".
يقول الشيخ ملخصاً صلته العلمية بالسيد رشيد رضا على نحوا ما يحدثنا الأستاذ مجذوب " أول ما ولعت بمطالعته من الكتب والقصص العربية كالظاهر وعنترة والملك سيف وما إليها ثم القصص البوليسية المترجمة كأرسين لوبين وغيرها ثم وجدت نزوعاً إلى القراءات التاريخية .
وذات يوم لا حضت بين الكتب المعروضة لدى الطباعة جزاً من مجلة المنار فاطلعت عليه ووقعت فيه على بحث بقلم السيد رشيد رضا يصف في كتاب الإحياء للغزالي ويشير إلى محاسنه ومآخذه .
ولأول مرة أواجه مثل هذا النقد العلمي ، فاجتذبني ذلك إلى مطالعة الجزء كله . ثم أمضي لأتابع موضع تخريج الحافظ العراقي على الإحياء ، ورأيتني أسعى لاستئجاره لأني لا أملك ثمنه ومن ثم أقبلت على قراءة الكتاب . فاستهواني ذلك التخريج الدقيق حتى صممت على نسخه . وهكذا جهدت حتى استقامت لي طريقة صالحة تساعد على تثبيت تلك المعلومات وأحسب أن هذا المجهود الذي بذلته في دراستي تلك هو الذي شجعني وحبب إلي المضي في ذلك إذ وجدتني أستعين بشتى المؤلفات اللغوية والبلاغية وغريب الحديث لتفهم النص إلى جانب تخريجه . ويتابع الأستاذ المجذوب : " وقد أطلعني الشيخ على عمله في ذلك النسخ فإذا أنل لقاء أربعة أجزاء في ثلاث مجلدات تبلغ صفحاتها ألفين واثنتي عشرة في نوعين مختلفين من الخط أحدهما عادي والثاني دقيق علق به في الهوامش تفسيراً أو استدراكاً .
وللحق إنه لمجهود يعجز عنه أولو العزم من أهل العلم في هذه الأيام ناهيك بطلبه الجامعات ممن لا يملكون أي عزيمة تسعفهم بالصبر على التحقيق والمتابعة .
فكيف إذا أضيف إلى أن الشيخ لم يكن آنئذٍ قد تجاوز العشرين من العمر ، ولا جرم أن هذا الجهد الجبار في تأليف تلك المجلدات مع الاستعانة بكل وسائل التحقيق المتيسرة للفتى أيامئذٍ ، كان إذا أثر في تمرسه بهذا الضرب من العمل العلمي فهو وإن كان لا يستحوذ على رضاه بصورة تامة ، قد شق له الطريق إلى تقدم أعلى في هذا المضمار.  
ومن خلال هذه الحياة وتلك النشأة وهاتيك الملابسات يتراءى لي أن ثمة عوامل خفية كانت دائبة على توجيه الفتى في ذلك الطريق لتجعل منه في النهاية واحداً من كبار خدمة السنة المطهرة في ديار الشام .
وحول هذه المؤثرات غير المنظورة يقول الشيخ: "إن نعم الله علي كبيرة ولا أحصي لها عداً ولعل من أهمها اثنين هجرة والدي إلى الشام ثم تعليمه إياي مهنته في تصليح الساعات " .
فأخذ عن أبيه مهنة إصلاح الساعات فأجادها حتى صار من أصحاب الشهرة فيها وأخذ يكسب رزقه منها . يقول : أما الأولى فقد يسرت لي تعلم العربية ولو ظللنا في ألبانية لما توقعت أن أتعلم منها حرفاً ولا سبيل إلى كتاب الله وسنة رسول الله e  إلا عن طريق العربية .
 وكان الشيخ رحمه الله مرجعاً لكثير من أهل العلم ، وبخاصة طلبة الحديث منهم ، فكانوا يلتقون به ويسمعون منه ، ويحضرون مجالسه ، ويأخذون عنه ، وكانوا يراسلونه ويستفيدون منه ، حتى أصبح أغلب طلبة العلم في هذا الزمان يعتمدون على تحقيقاته العلمية وبخاصة في مصطلح الحديث . اهـ . "الألباني جهاده وحياته العلمية" .  
تلاميذه :
لقد سمع الشيخ رحمه الله تعالى خلق كثي ر، ولقد تتلمذ على يديه مجموعة من طلبة العلم ، وأخذوا عنه أخذاً مباشراً في دمشق ، حتى أصبحوا طلاب علم يُقتدى بهم ، أمثال الشيخ محمد عيد عباسي ، والشيخ علي خشان ، والشيخ حمدي السلفي ، وأما في عمان لم يخصص الشيخ رحمه الله تعالى درساً لكي يقرأ عليه كتاباً أو كتباً ، وكان يطلب منه الشيخ محمد إبراهيم شقرة ذلك فيقول : "ما بقي من الشجر غير الحطب ، وليس عندي ما يتسع من الوقت لغير مشاريعي العلمية" .
ولقد أخذ عن الشيخ خلق كثير في مشارق الأرض ومغاربها عن طريق الأشرطة المسجلة ، والمؤلفات المنشورة، وهذا يُعدُّ في مصطلح الحديث من الوجادة وليس من السماع والتلقي المباشر . وللتوسع في ترجمته رحمه الله تعالى فلينظر  "الألباني حياته وآثاره" للشيخ محمد الشيباني ، و"مقالات الألباني" نور الدين طالب ، و"كوكبة من أئمة الهدى" د . عاصم القريوتي .
ثناء العلماء عليه .
نقل الأخ طارق بن عوض الله في كتابه "ردع الجاني المتعدي على الألباني" ثناء العلماء على العلامة الألباني رحمه الله تعالى فنذكر بعضها :
قال عنه العلامة محب الدين الخطيب: "من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها، وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين نوح نجاتي الألباني"  
وقال عنه محمد حامد الفقي : "الأخ السَّلفي البحاثة ناصر الدين".
وقال عنه العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى : "لست أشك في علمه وفضله وسعة اطلاعه وعنايته بالسنة ، زاده الله علماً وتوفيقاً".
وقال عنه كذلك : "ما رأيت تحت أديم السماء عالماً بالحديث في العصر مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني" .
وقال عنه الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله تعالى : "أما بعد فقد سُئلت مراراً عن الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله فأقول كما قال السلف إذا سُئلوا عمن هز أجلُّ منهم قدراً فيقول أحدهم : أنا لا أسأل عن فلان هو يسأل عني ، ولولا أننا في عصر أصبح كثير من العامة لا يميز بين العالم والمنجم ، ولا بين المؤمن بالله والشيوعي الملحد ، بل أقبح من ذلك أنَّ بعض ذوي الأهواء من المبتدعة المعاصرين أصبحوا يطلقون الألقاب المنفرة على أهل السنة " إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى .  اهـ ."ردع الجاني"(ص15ـ26) .
وتوفي رحمه الله في عمان عصر يوم السبت في 22جمادى الآخر 1420هـ الموافق 2 تشرين الأول 1999م ، ودُفن في مقيرة جبل هملان ، وقد شهد جنازته جمع غفير .
وهكذا قضى رحمه الله أكثر من ستين سنة بين كتب أهل العلم دراسة وتدريساً ، علماً وتعليماً، إلى آخر أيام حياته . فرحمه الله رحمة واسعة، وجعلته في مستقر رحمته.  
قال عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، بعد أن علم أن الشيخ دُفن فور وفاته، قال عنه: "لقد أحيا السنة حياً وميتاً".
وقال الشيخ محمد إبراهيم شقرة عقب وفاة الشيخ رحمه الله :
 "وكان للشيخ حظ من مثل هذا، نودي به في الناس أنه "الإمام " بلا منازع ناخت ببابه رواحل علم السنة فندب الله لها من أراد به خيراً ليأخذ من أوقارها ما يقدر على أخذه فما نقض منها شيء إلا وصار إليها أضعاف أضعاف ما نقص ـ بدأب الشيخ وصبره وإحاطته ـ" إلى آخر كلامه حفظه الله تعالى .
قال عنه علي الحلبي في كتابه "مع شيخنا ناصر السنة والدين في شهور حياته الأخيرة" .
ولقد رأيت منه تغمده الله برحمته مواقف علمية عالية تدل على عظم إمامته وكبر مكانته أذكر منها لإخواني في الله أموراً يَفيدون منها ويُفيدون .
·       أولا : عندما أخبرته بوفاة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لم يتمالك نفسه من البكاء فدمعت عيناه دمعات حارة وتكلم عنه رحمهما الله بكلمات باردة .
·  ثانياً : لم يفتر عن الجلوس وراء مكتبه للتأليف والتخريج حيث كان يأتي بالكتب إليه بعض أبناءه وحفدته إلى آخر خمسين يوماً في عمره الميمون وذلك لما وهن بدنه ، ونحل جسمه ، وضعفت قوته .
ومع ذلك فقد كان بحمد الله سليم الذهن نظيف العقل ، وقوي التذكرة معلقاً قلبه بالقرآن والسنة .
ولست أنسى أن نسيت كما يقال اتصاله الهاتفي بي قبل نحو الثلاثين يوماً من وفاته ليسألني عن كتاب في التفسير له ما يميزه تذكره بوصفه وطريقته ولون غلافه ولكني ضعفت -وللأسف- عن إعانته في معرفته فلا حول ولا قوة إلا بالله . اهـ .      
فرحمه الله رحمة واسعة وجعله في الفردوس الأعلى مع المصطفى e ، وأسأل الله العظيم أن يحشرنا وإياه مع نبينا محمد  e ، وإن يجمعنا على حوضه الشريف لكي نشرب لا لنطرد اللهم آمين .




0 التعليقات:

إرسال تعليق