وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الخميس، 12 أبريل 2012

الوطنيّة والمواطنة ..والمثقف



الوطنيّة والمواطنة ..والمثقف
بقلم : محمد الصغير داسه
هل الأمرُ يَتعلقُ فعلا بأزْمَة ثقافيّة؟أم أنّ مُستوى التفكير تدنى وانصرف الجميع إلى حطام الدنيا؟ أم أنّ السيّاسة هي التي صرفت الناس عن كل ماهو مُهم للتخلص من المطالب الإصلاحيّة وفي مُقدّمتها التغيير؟أم هي أزمة أخلاقية طالت المجتمع كله....
 1- عندما بادرت أصوات الشمال قلعة الوطنية والانفتاح، بدعوتها الكريمة،إلى مُبدعيها وكتابها وجميع المفكرين والقراء بالمشاركة في إثراء ملفها الثقافي المفتوح: {دور المثقف الواعي في العملية السياسية} وحدَّدت إطارَ المُشاركة، مَحاورَ سبعة للمناقشة والإثراء، فإنّه ولإيمانها الرَّاسخ بأنَّ التواصلَ سُلوك حضاري يصنع حُضورًا لتحقيق بَيْئة مُتكاملة تُمدُّ العقل بأدوات مُعاصرة للتفكير، وتجعله يطرح مشاريع فلسفيَّة وفكريَّة حتى وإن كان الباحثُ أو القارئ الجزائريُّ بحاجة إلى الإلحاح مع العوامل التي شتت اهتمامه. وخلال مناقشة المحور الأول أمطرني الزميل بحاصب من الأسئلة، لماذا تراجع مستوى الوعي لدى المثقفين الجزائريين ولدى الإطارات والسيّاسيين؟هل الأمرُ يَتعلقُ فعلا بأزْمَة ثقافيّة؟أم أنّ مُستوى التفكير تدنى وانصرف الجميع إلى حطام الدنيا؟ أم أنّ السيّاسة هي التي صرفت الناس عن كل ماهو مُهم للتخلص من المطالب الإصلاحيّة وفي مُقدّمتها التغيير؟أم هي أزمة أخلاقية طالت المجتمع كله، لم أجد ما أقول فانخرطت معه في غابة من الاستفهامات، وأنا متأكدٌ بأنّ الأسئلة طريقنا للمعرفة حتى وإن بدت للآخر انتهاكا لكبريّائه وللمقدّس، وإن التخلي عن السؤال تخلي عن معنى الحياة.
 2- فمن أين تستمد السلطة السياسية شرعيّتها ومصالح المجتمع مفصولة عن المجتمع المدني؟هل السلطة مسئولة عن اختيارات الشعب؟ أم أنّ الشعب أزال طابع القداسة عن الحكام وهو السيد،بعد أن افترى عليه ممثلوه في المجالس خلال خمسة عقود؟{ أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها .وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل..}هل للشعب الحق في تغيير نمط الحُكم لتسيير شؤونه، وهل له الحقُ في تغيير الأساليب إذا لم تستجب السلطةُ لمصالحه ؟ هل الدّعوة إلى مقاطعة الانتخابات تصنع الوعي وتكرّسُ مبدأ التداول على السلطة وتحافظ على استقرار الوطن؟كلنا يُدرك أن لا تغيير ولا إصلاح ولا معنى لديمقراطية تعبث باختيارات المواطنين، والإنسانُ رئيسٌ بطبعه كما يقول ابن خلدون،و كما أكّد أرسطو الإنسان حيوان سياسي، فلا معنى إذن لديمقراطية مغشوشة،حتى وإن كانت السيّاسة فن حكم المجتمعات المدنية كما يقال، لكن كيف ننصف المواطن ونعمل على تحريره من المغالطات المفضوحة؟ كيف نحرره من قيود الإحباط وهذا التذمر الرهيب؟كيف نحافظ على وحدة الوطن وسلامته؟ الأمر محيّر وفي غاية الأهمية والخطورة، والقانون لايطلب لذاته وإنما لأثره كما يقال فهل للقوانين عندنا هيبة وأثر.
 3- من هنا يبرزُ دورُ المثقف الواعي الفاعل في العملية السيّاسية،وينصب السُّؤال حول دوره في صناعة التغيير ووعيه بما يجري في الشارع من مطالب عميقة،حول الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، ومن خلال دوره الريادي كمواطن فاعل في إعادة ترتيب البيت السياسي المتضرر، وبناء الذات المواطنة السوية فبالرغم من المظاهر الشكلية للديمقراطية وحقوق المواطن ودساتير تُنظر للحريّات ومجالس نيّابية ماهرة في رفع الأيادي، ومجالس شعبية منتخبة تنهب بدون مراقبة ولارقيب، فإنّ ضعف الشعور بالانتماءالى الوطن بات أمرًا مقلقا نتيجة الصّمت واللامبالاة، والفساد والتسيب وإهمال وعي الإنسان، يقول جلال الرومي: الأمم تموت عندما لايصبح بمقدورها أن تميز بين الحق والباطل..} إن الوضع يتطلب انبعاثَ فكر سيَّاسي جديد قائم على الوضوح والجديّة، يرعى مصالح الوطن والمواطن، إذ ليست المواطنة مواعيدَ انتخابية ومناسبات فلكلوريّة، المواطنةُ وعيٌ وانسجامٌ مع الواقع وتكيُّف مع المستجدات، وارتقاء بالممارسة السيّاسية الى مستوى المسؤولية، وبكل الأبعاد والمرامي .
 ولنا أن نلتفت قليلا للتاريخ ولنتوغل في أدْغاله، حينها نعرف أهمية المواطنة التي نادى بها المفكرون في القرون الوسطى للخروج من أزمتهم، وتلك مرحلة من تاريخ الإنسانيّة عرفت حراكا تصحيحيا رائدًا، لم تقف شعوب أوربا يومئذ مكتوفة الأيادي مُتفرجة، ولم يقف العقلُ جامدًا بل راحت الأفكار تتفجر وتتناثر لتسهم بوعي في تفتق المواهب، وتبعث في النفوس حركة دوؤبة للتغيير وباقتناع، فضجَّت الحياةُ الفكريّة بفلسفة التنوير وظهر مفهوم الوطن والمواطنة في الغرب عام 1783 وعاش الناس عهدئذ إرهاصات التغيير، حربا على الإقطاع والاستبداد وعلى هيمنة الكنيسة، فبرز مفهوم المواطن والوطنيّة في المُعترك السياسي التنويري ابتداء من القرن 19 وامتدّ إلى منتصف القرن العشرين، لتحتضنه الحركة الإصلاحيّة عندنا في الجزائر بمسميات كثيرة ومنها حب الوطن والحرية، و في أدبيات المقاومة الجزائرية برزت فكرة المواطنة ابتداء من الحرب العالمية الأولى،وكانت إحدى الشعارات التي نادت بها الثورة المباركة، وبعد الاستقلال ارتبط حب الوطن بالحكم المطلق الشمولي وبالحزب الواحد دون الالتفات للمواطنة التي حظيّت بنقاش كبير خلال إعداد الميثاق الوطني 1976، حقيقة أنّ المواطن الجزائري مُرتبط بوطنه ودينه ةعاداته وهو يعمل بوفاء للدفاع عن خصوصيّته، لكنّه لم يشعر أنّ له حقوقا وواجبات في ظل التفرد بالقرارات من طرف فئة مفصولة عن المجتمع، والتي لاتعي بأنّ المواطنة مُرتبطة بالتمدن والتحضر وبالحقوق السيّاسية والحريّة خاصة، إذ لا مُواطنة بدون حريّة،ولاحريّة بدون مسؤولية، وإذا كانت المُواطنة مُرتبطة بالقدوة والنموذج فلايمكن للسلطة أن تطالب المواطن باحترام قيَّم المواطنة والدفاع عن المصلحة العامة والإدارة غارقة في الفساد والرشوة والمحسوبية وتهميش الكفاءات، إدارةٌ تعجُّ بالمفاسد وبالمواقف السلبية، إنّ المواقف المهزوزة والمهزومة صنعت جيلا محبطا، مُرشحًا للعنف في أيّة لحظة، مواقفَ همشت الموطن النزيه وعصفت بالشعور و المشاعر الطيّبة إزاء الوطن وخذلت المواطن المخلص، و هل هناك مُواطنة بدُون مَواقف مُغذيّة للوطنيّة واحترام المواطنين؟ وهل هناك ما يقوّي فيهم روح التضامن والإقناع؟ ففي الوقت الذي هبّت فيه عواصف الانتفاضات وسقطت الحدود وتعملق الإعلام، مازالت نظرتنا لاحترام رأي المواطن واستشارته هشّة بله ضعيفة، ومازال حضور المسئولين في الميدان شكلي يتميز بالسلبيّة وعدم التواصل، الكل يلتزم الصمت والصمت سُكون والسُكون اسْتكانة وموتٌ، كنا ننتظر إصلاح أحوال الناس وترشيد الأداء، فإذا به صار الإنسان يدًا تُحركها جهات تعمل في الخفاء، وخطاب مُحرض على العنف والتمرد، وحلول ترقيعية ظرفيّة، لتبقى الخفافيش جاثمة على رقاب الشعب وليبقى الفساد يُروّجُ له ويجدُ كل التشجيع.
 4- فما هو مفهوم الوطنيّة والمواطنة ؟ الوطنية شعور بالانتماء وحب ووفاء وحسّ قلبي ضميري داخلي، وهو ارتباط عاطفي بالأرض والمُجتمع، بينما المواطنة مُمارسة وسُلوك فعلي وتكيف ومرونة وأداء فردي للواجبات اليوميّة.يقول ابن منظور في لسان العرب الوطن المنزل تقيم فيه، أوْطن فلانا أرضًا اتخذها محلا وسكنا، والوطنيّة الحُب بصدق إلى الوطن،ويعتبر كل من يسلب خيراته خائنا،وكل من يعبث بوحدته عميلا،وكل من يحرض على العنف عدو، فالوطنيَّة هي الحب والولاء والفخر بالتراث والحضارة والالتزام بالحقوق والواجبات واحترام القوانين والدفاع عنها، وصفة الوطنيَّة أكثر عُمقا من صفة المواطنة التي تُكتسب بمجرد الانتساب إلى جماعة أو دولة ولاتُكتسب صفة الوطنية إلا بالفعل الصالح، فالمواطنة حقوقٌ وواجبات ومسؤولية تجاه النفس وتجاه الجماعة وهذه الحقوق والواجبات لاتُمارس إلا في مُجتمع عادل وديمقراطي، فالوطنيّة والمواطنة هو الشعور الذي يربط الإنسان ببلده، فكيف نعمل على تنمية هذا الشعور في نفوس الأجيال ولدى المواطن؟ كيف نمارس الحقوق والواجبات ؟ فالحرية حق مقدس، والديمقراطية صيغة تكفل للمواطن ممارسة حريته في كنف الاحترام والعدل والمساواة وحرية الرأي والمعتقد، ذلك أن الحريّة تجعل من المواطن إنسانا قادرا على البذل والعطاء، قادرًا على الدّفاع عن وطنه، قادرًا عن التضحية،و تجعل الأحزاب تُمارس نشاطها وفق معاييرمتفق عليها،لتؤدّي واجباتها لبناء صرح الأمّة وليس من أجل مكاسب ظرفيّة وقتل الأمل، إن قوّة الوطن من قوّة مواطنيه، وإن قوّة المواطن تكمن في وعيه بواجباته وحقوقه وبما يدور حوله من أحداث، وإنّ الأنظمة الديمقراطية تكسب قلوب مواطنيها بالعدل والاحترام ونشر الوعي، والسيّاسة الراشدة مدرسة لصناعة الوعي وليس تهريجًا وتنفيرًا ودعوة إلى العنف والإحباط كما نسمع ونرى، المثقفُ صاحب رسالة، ودوره في جميع المجتمعات رياديا وبخاصة في مسارالتغيير،وصوته مسموع وأفكاره نافذة، فهو ناصح لافا ضح، برأيه الحصيف يفتح أما م المجتمع المدني آفاقا رحبة من التفكير والوعي والذوق الجمالي والمعرفي، ويُسمعهم نداء العقل الذي يُخبرهم بأنّ الشجاعة هي التحدّي وهي القادرة على الفهم، وأنّ الخوف هو ابن الثورة، وعليه – والفرصُ سانحة – ينبغي أن يخرج المثقف من صمت العزلة والتهميش إلى ساحة الفعل في التغيير، ولا ينتظر أن يفتح له المجال، فعليه أن يُبادر في ترشيد العمل السيّاسي وأن يُضيء بفكره ورأيه فكر المواطن ويُسهم في تغذيّة المواطنة، وأن يُساعد في تقويم سلوك السياسيّين بخطاب العقل، وتقويم اعوجاجهم بالحجّة الدامغة والقول الفصل، ويخشى في الله لومة لائم.
 وعلى الله قصد السبيل..
 م.ص.داسه *- للموضوع مراجع وقراءات


0 التعليقات:

إرسال تعليق