ذكريات ومذكرات
رأينا في"الهملة الانتحابية" الموصوفة بـ"الرئاسية" بعض الأشخاص الذين ذكرونا بأجسامهم وأقوالهم بتلك الكائنات التي وصفها القرآن الكريم بـ"النطيحة والمتردية والمنخنقة والموقوذة"، وما يَعَافُ السبُعُ أكله.
لقد آذى بعض أولئك الأشخاص عيوننا بأجسامهم الشحيمة، وبطونهم المنتفخة التي ذكرتنا بتلك الناقة التي كان لها شِرْبٌ ولقومها شربٌ، وآذوا عيوننا بوجوههم التي ذكرتنا بوجوه شِرار القوم التي وصفها القرآن الكريم بأنها"عليها غَبَرَةٌ ترهقها قترةٌ"، وبعضهم آذوا آذاننا بأصواتهم التي تُذكّرُ بالبيت الشهير لحكيم المعرة أبي العلاء:
عَوَى الذئب فاستأنستُ للذئب إذ عوى وصوّتَ إنسانٌ فكدْتُ أطيرُ
وبالبيت الآخر لأحد الشعراء:
عُواءُ كلبٍ على أوتارِ مِنْدفَةٍ في قُبْحِ قردٍ وفي استكبار هامانِ
إن ما رأيته بعينيّ وما سمعته بأذنيّ قد سبب لي ضيقا في الصدر، وصداعا في الرأس، وخوفا في القلب، خشية على مستقبل الجزائر إن لم يتداركها الله برحمته، حيث رأينا حتى من يزعم هدايتها يجتهد في إضلالها، ومن يدّعي إرشادها يعملُ على غيّها، مما يجعلك تفهم قول الله ـ عزّ وجل ـ: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا، ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام"، ويجعلك تتبينُ قول الله ـ عزّ وجل ـ في من آتاه آياته فانسلخ منها ...
لقد عِشتُ أياما معدودات وأنا على هذه الحال النفسية الحزينة التي زادتها سوءا وحزنا تلك الصورة البئيسة التي ظهر فيها "كبيرهم" في أدائه لما سُميَ "يمينا"، مما أشمت بنا الأعداء، وجعلني أدخِلُ تحويرا على بيت مفدي زكريا:
وقل الجزائر واصْغ إن ذكر اسمها تجد الجبابر ساجدين وركعا
إلى:
وقل الجزائر واصغ إن ذكِرَ اسمُها (تجدِ الأراذل شامتين وضُحَّكَا)
لم يخرجني من تلك الحال إلا وصول هدية قيّمة من الأخ محمد ناصر، وحتى لا يقول السفهاء ـ كما سبق أن قالوا ـ إنها شجراتٌ من النخل الباسقاتِ في القرارة أعمى بها بصري، وعقل بها لساني، أُسرعُ إلى القول بأن هذه الهدية هي كتابٌ، وهو أكره شيء إلى أكثر الجزائريين.
لقد سجّل الأخ محمد ناصر في هذا الكتاب مراحل حياته، وما تميزت به من حلوٍ ومُر، وخير وشر، ونفع وضر، مُصطفيا له عنوانا هو: (ذكرياتي ومذكراتي)، وهو يقعُ في 956 صفحة موزعة على جزءينِ، وقد زيّنها بعشرات الصور، وقد شدّني إليه حتى إنني صحبته معي في سفري إلى كل من تيارت وبوسعادة، وأتيتُ عليه في بضعة أيام.
لقد أدى الأخ محمد ناصر شهادته على ما رأى وما روى، ولم يكتم هذه الشهادة لأنه يعلم من القرآن الكريم أن كتمانها إثمٌ، ولم أشعر أنه تجنى على الحقيقة، فهو يُؤمن أن مما يكبُّ الناس على مناخرهم في جهنم هو حصائد ألسنتهم، وأما اعترافه بأفضال أناس عليه فهو دليل على خلقه النبيل، ومعدنه الأصيل، وقد علمنا معلمنا الأول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن"الناس معادن"، وأنه "من لا يشكر الناس لا يشكر الله".
إن هذه المذكرات هي درس لأبنائنا في بناء مستقبلهم ومستقبل وطنهم الذي لن يُبنى "إلا على تغلب العلم على الجهل، والإيمان على حب الدنيا، ومصلحة الجميع على مصلحة الفرد" (ج2. ص 570). وبذلك يستطيعون أن يتخلصوا مما يتخبطون فيه ويشتكون منه وهو:
مكْر سُوّاس على الدهماء جاز ورعاة بالرعايا يلعبون
0 التعليقات:
إرسال تعليق