الحرب على مالي ..هل ستجوب طائرات الاستطلاع سماء الجنوب ؟ بقلم : عباس بومامي
السياسة الغربية و الامريكية بوجه خاص كذاك الاخطبوط الذي لا تنتهي اذرعه اذ كلما قضيت على ذراع إلا و اعترضتك ذراع اخرى , و الحقيقة ان قوة هذا الاخطبوط متأتية في معظمها من ضعفنا و هواننا و عدم احترامنا لأنفسنا . و ضعفنا متأت من عدم شرعية انظمتنا التي باعت الدين و العرض و الارض .
و امريكا تبتز انظمتنا انطلاقا من شرعيتها المفقودة مرة و من غياب الديمقراطية ,حتى و لو كانت على مقاسها و مقاس اسرائيل , مرة اخرى ,الى ان اهتدت الى ما صار يعرف بالربيع العربي حيث اصبح ورقة ضغط كبيرة تلوح بها الدول القوية في وجه الانظمة الدكتاتورية الفاقدة لأية شرعية .
لام الكثير من الجزائريين مثقفين و ساسة و حتى اناس عاديون الثوار الليبيين على تعاونهم مع قوات النيتو لإسقاط القذافي و اعتبروا ذلك انتقاصا لثورتهم , و هو بالفعل كذلك , و قد كان للموقف الجزائري الرسمي مما حدث في ليبيا الاثر الكبير في خلق جبهة شبه معادية على الحدود الشرقية و كأن الجزائر لم تكتف ,على الاقل ,بانعدام الراحة على الجبهة الغربية .
و سيكون للموقف الجزائري في حال تاييد التدخل العسكري في مالي اكبر التداعيات مثلما حدث في الموقف من ثورة اللبيبين , و قد اشار وزير الداخلية الجزائري الى ذلك الخطر الداهم , و اول تلك التداعيات ان الحكومة الجزائرية تكون قد ضاعفت المساحة غير الآمنة على حدودنا الجنوبية و الجنوبية الشرقية مع ليبيا المتداعية اصلا ناهيك عن الحدود الغربية مع المغرب التي يكاد يفقد من جانبها الارتياح الامني و الاقتصادي , و لنا ان نقف على حقيقة المساحة غير الآمنة من خلال معرفة ان حدود الجزائر مع مالي تصل الى 1376 كم و مع ليبيا 960 كم ناهيك عن 1559 كم مع المغرب , و بالتالي فان اضافة حدود غير آمنة مع مالي لا يعني إلا خلق اعباء كبيرة و تكاليف باهظة ستخصم مؤكدا من جيوب الجزائريين ,الجزائر في غنى عنها .
فالغرب و على رأسه امريكا و فرنسا و من خلفهما اسرائيل هو من يفتعل الازمات و يخطط لحروب تشنها انظمة بالوكالة , انظمة مبتزة سياسيا و اقتصاديا و بالتالي تبتز عسكريا , كأن تظطر الى عقد صفقات اسلحة مشبوهة كصفقة السعودية مع المملكة المتحدة او شن حروب بالوكالة كما حدث في حرب تحرير الكويت او الحرب على تنظيم القاعدة او في حربه مستقبلا مع ايران .
فالغرب يتعمد غظ الطرف عن كثير من التجاوزات التي تقع فيها انظمة العار عندنا و احيانا يوعز لها بالاستشارة السياسية و الاقتصادية لتوريطها في متاهات سياسية او افلاس اقتصادي , من قبيل تزوير الانتخابات او قمع المعارضة او في امور تتعلق بحقوق الانسان . و الغرب ايضا حينما يبقي على مثل هذه الملفات مؤجلة و معلقة في رقاب الانظمة انما ليستخدمها في الوقت المناسب للاستثمار السياسي , و ليس ذلك احقاقا للديمقراطية او حبا للشعوب المضطهدة بل لرهانات سياسية تربطها مصالح و اجندات معينة .
و قد اهتدى الغرب في الاونة الاخيرة الى ما اصبح يسمى بالربيع العربي حيث اصبح يمسك الانظمة غير المتصالحة مع شعوبها و غير الآخذة للعبرة مما حدث لدى جيرانها, و هي كلها في المنطقة العربية , من اليد التي توجع . و قد يكون ابتزاز الجزائر لانتزاع موافقتها على الحل العسكري في مالي من هذا الجانب , بمعنى ان امريكا و فرنسا و الغرب عموما صارت تهدد البلدان التي لم تمر بها موجة الربيع العربي بالوقوف مع المعارضة و يستحضرون دوما النموذج الليبي , في حالة رفض التعاون او عدم الانصياع لإرادة الابتزاز . و مما يذكر ان امريكا اهتدت في الجانب التكنولوجي الى طائرات الاستطلاع بدون طيار خاصة بعد تجربة تدخلاتها العسكرية المكلفة في العراق و افغانستان , بحيث تفرض سيطرتها على العالم باختراق سيادة الدول لتضرب ما تشاء وقت ما تشاء و في المكان الذي تشاء بأقل تكلفة مثلما هو حاصل في باكستان و اليمن و لم لا الجزائر لا قدر الله ; و منطقة الساحل في الاشهر القادمة .
و قد يتساءل احدنا و ماذا تفعل الدول الضعيفة امام هذا السيل الجارف من الضغوط ,فنقول ان علاج ذلك يكمن في تمتين جدر الجبهة الداخلية و لا طريق لذلك إلا طريق الديمقراطية الحقة و التنمية الفعلية اللتان تفرزن نظما شرعية تنسجم في موقف واحد و موحد و مسؤول مع شعوبها حينما تتعرض لهكذا ابتزاز .
الجزائر, و مهما بررت موقفها السياسي تجاه قضية مالي في حالة مشاركتها , فإنها تخسر اكثر مما تربح ذلك ان فرنسا و امريكا سترحلان بمجرد تنصيب عميل جديد يخلف العميل الحالي على مالي في حالة ما اذا لم يرق لهم الرئيس الحالي مثلما نصبت فرنسا عميلها في ساحل العاج و في كثير من بلدان افريقيا و اقامة قاعدة عسكرية للقضاء على ما يسمى بالجماعات الارهابية حسب ما يعتقد هؤلاء و شركاؤهم و تبقى الجزائر تجابه لوحدها و على طول اكثر من 1376 كلم من الصحاري و المناطق الوعرة , ليس فقط قلول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بل فلول مقاتلي الازواد و التوارق عموما , و هو ما يعني ان الجزائر اذا ما تأكدت مشاركتها في هذا التدخل ستعلن الحرب على جميع التوارق المتواجدين في شمال مالي و جنوب ليبيا و حتى النيجر , و المشكلة ان لهؤلاء علاقات وطيدة مع توارق الجزائر و لهم الكثير من روابط القرابة و النسب و حتى التعاملات التجارية و المصالح المتبادلة , حيث يكاد يكون التهريب هو السمة الغالبة على النشاط التجاري بحكم التهميش و انعدام مصادر العيش الكريم , ذلك ان التوارق يتواجدون في الاطراف النائية للدول التي يتواجدون فيها حيث البطالة و غياب التنمية الحقيقية .
و المؤكد ان الدعم سيصل الى الازواد و الجهاديين من توارق البلدان المجاورة و هو ما يؤكده تتبع و افشال الجيش الجزائري لمحاولة تسلل لإدخال شحنات من السلاح عبر ولاية اليزي الجزائرية الاسبوع الماضي . ذلك ان العواقب تأتي تباعا ليصل الامر الى كثير مما لا نتصوره في الوقت الراهن خاصة و ان هذا التدخل لا يفرق بين جماعات مسلحة دخيلة و بين حركات تحرر تمثلها مجموعات الازواد .
و قد نشطت تجارة السلاح بمختلف انواعه و احجامه خاصة بعد سقوط السلاح الليبي المكدس منذ سنوات في مخازن ثورة الفاتح من سبتمبر . و المؤكد ان التدخل العسكري في مالي سوف لن يحل المشكلة إلا بقدر ما حلت في افغانستان او العراق حيث ان كل ما تم احرازه هو ازاحة طالبان و صدام حسين من السلطة و تنصيب حميد كرزاي و المالكي كعملاء راعيين لمصالح امريكا و الغرب . و تبقى فلول الازواد و القاعدة منتشرة في شكل عصابات تعرف مسالك الصحراء و لها مخازن كثيرة من السلاح الليبي قد يضم حتى صواريخ " سام " و التي لها نفس فعالية صواريخ " ستينغر " الامريكية لإسقاط الطائرات . و حتى و ان استخدمت الطائرات بدون طيار فان فاعليتها لا تتجاوز ما كانت عليه في افغانستان او في العراق مع فارق مختلف نوعا ما في الجانب الجغرافي و التضاريسي اذا ما قارنا جغرافية مالي بجغرافية افغانستان و هي من جهة اخرى متقاربة مع جغرافية العراق .
و مما يذكر ان للجزائر مبرراتها في عدم توريط نفسها بهذا التد خل العسكري الذي يخدم الغير و لا يخدمها بتاتا انطلاقا من كونها لما حاربت ما يسمى " الارهاب " في التسعينات حاربته لوحدها و لم تقف معها اية دولة بما فيها الولايات المتحدة , راعية الحرب على " الارهاب " و من ثم فمن حقها ألا تقف هي اليوم مع اي من هذه الدول التي تريد محاربة " الارهاب " في مالي و في غير مالي . هذا انطلاقا من التصريحات العديدة و المختلفة للمسؤولين الجزائريين .
القضية و كل ما فيها ان اسرائيل نجحت في خلق مشكلة للسودان و استطاعت بالتواطؤ مع امريكا و الغرب و ابتزاز مجلس الامن توليد دويلة جنوب السودان ولادة قيصرية بحيث اصبحت فيها مواطئ اقدام للموساد و لمصالح الدولة العبرية و التي كان آخرها , بالإضافة الى مشكلات المياه التي ستخلقها مستقبلا لكل من مصر و السودان , ما اقدمت عليه الطائرات الاسرائلية و هي تطير من جوبا لتضرب مصنع اليرموك للأسلحة في العاصمة الخرطوم .
كذلكم فالأمر غير بريء في احداث القارة السمراء حيث ستشن هذه الحرب ليس على " توارق " مالي فحسب بل ستشن على كل توارق المنطقة و ذلك بحكم الانتماء الى العرق الواحد و الى المعاناة المشتركة و الى التهميش المفروض . و النتيجة هي ان يظلم التوارق في كل الدول التي يعيشون فيها ظلما كبيرا مثلما حدث و يحدث للأكراد بحيث سترتكب في حقهم فظاعات بحكم الحرب التي قد لا تفرق بين مدني يرعى ابله و بين مسلح من الازواد يدافع عن حق العيش الكريم في مالي او آوى التنظيمات الجهادية كرد للجميل الذي قدمته له لردح جيش مالي النظامي . و لعل المجازر التي تعرضت لها قبيلة التبو في ليبيا اثناء الثورة يحمل الكثير من مؤشرات محاولة خلق صراع على اساس عرقي و اثني في المنطقة .
و سيصل الامر الى ان يصير للتوارق قضية تحت عنوان تحرير التوارق من مجموع انظمة الدول التي ينتمون اليها و عندها يلقون الدعم بالسلاح و بالمال من طرف الغرب و من ورائه اسرائيل و ستنشأ لهم دولة على غرار دولة جنوب السودا ن او كردستان العراق . و عندها سترتمي دولة الازواد او التوارق في احضان الغرب ليغرس خنجرا آخر في قلب المغرب العربي الكبير على غرار ما حصل في السودان او في اندونيسيا بإقليم تيمور الشرقية ذو الغالبية المسيحية الذي افتك عنوة من اندونيسيا عام 2002 و صنعوا له دولة .
و قد عمل القذافي بتهور منه لإقامة كيان للتوارق يكون بشكل او بأخر تحت امرته . و قد حاربت الجزائر و غيرها من دول المنطقة هذه الفكرة من اساسها . و لعل هذا ما اشار اليه سندة ولد بوعمامة احد قادة تنظيم انصار الدين في شمال مالي حينما ذكر ان المؤامرة تتجاوز شمال مالي لتستهدف جنوب الجزائر و حتى دولة النيجر و المنطقة ككل , و من هذا المنطلق ايضا اتصلت حركة انصار الدين بالحكومة الجزائرية لإطلاعها على حقيقة الوضع في شمال مالي و اللعبة القذرة التي لا يستفيد منها إلا اعداء المنطقة . و هو الامر الذي اضفى نوعا من البرودة و التردد في الموقف الجزائري بعد القبول المبدئي بالتدخل العسكري , ناهيك عن المعارضة الشعبية الواضحة لأي تدخل خاصة في ظل كثير من الرضا و القبول الذي تحظى به الحركات المسلحة من قبل الماليين انفسهم حيث اعفتهم سلطة المتمردين الجديدة من كل الضرائب و المقتطعات المبالغ فيها في عهد النظام المالي السابق .
و بمعنى آخر يتساءل الكثير من الجزائريين عن جدوى التدخل في مالي ليقتل جنودنا و تدفع تكاليف الحرب من خزينتنا و على حساب تنميتنا لتنفذ امريكا و فرنسا اجنداتها بعيدا عن مصلحة و أمن الجزائر و امن و استقرار المنطقة ككل , اذ ما الذي يغيض الجزائريين اذا كان مطلب الجزء الشمالي من مالي المسلم يريد تطبيق الشريعة و هو راض تمام الرضا لأنه يعتبر العملية تحريرا و ليست شيئا آخر؟
ان الجزائر اذا ما ورطت نفسها في مستنقع مالي فإنها على ما يبدو لم تستفد من موقفها تجاه احداث ليبيا والتي خسرنا على اثرها امن 960 كم من حدودنا معها و خسرت عمالتها هناك بحيث ضاعت الكثير من مصالح الجزائريين في ليبيا , و ما حادثة حرق العلم الجزائري و محاولة اقتحام سفارتنا هناك اثر مباراة في كرة القدم إلا من قبيل ذلك الاحتقان و التشنج .
و لو كانت امريكا جادة في مجال حقوق الانسان و الديمقراطية فلماذا لا تتدخل في غزة لرفع الحصار عنها او وقف العدوان عليها هذه الايام و لماذا لا تتدخل في ميانمار لإنقاذ اقلية الروهنغاريا المسلمة في " اراكان " من التصفية العرقية و الابادة على غرار ما حدث في تيمور الشرقية باندونيسيا حيث تحول الاقليم المسيحي الى دولة بجرة قلم من امريكا و مجلس امن الغرب . بل رفعت الحظر عن مسؤولي هذه الدويلة و كأنها تكاقئهم على ما اقدموا عليه ضد المسلمين و ستكون زيارة اوباما لها في قادم الايام عربون رضا و محبة بعيدا عن حقوق الانسان و تبجحات ديمقراطية امريكا.
و الجزائر بموافقتها المبدئية , بعد زيارة كلنتون ,على التدخل العسكري في مالي تكون قد خالفت الدستور و خالفت مبادئ تأسيس جيشها الوطني الشعبي الدفاعية و مبادئ سياستها الخارجية التي تنص على عدم التددخل في شؤون الدول الداخلية مهما كانت الاسباب .
و المحير ان الجزائر تعرف جيدا ان تصنيف امريكا لمنطقة الساحل و الصحراء الكبرى كمنطقة استراتيجية لمحاربة ما يسمى بالإرهاب و اليد الفرنسية الطولى العابثة في افريقيا , له ابعاد كبيرة تتجاوز شمال مالي , حيث العيون على الجنوب الجزائري الزاخر بالذهب و اليورانيوم و الخزانات الاستراتيجية للمياه الجوفية و حتى الطاقة الشمسية , ناهيك عن البترول كأهم ثروة تسيل لعاب الدول العظمى عندما تتأزم عندها امور الاقتصاد و المال.
ان الاستعمار الجديد لازال يتعامل بنفس عقلية الاستعمار القديم و كل ما تغير هو الادوات و الوسائل , ففي الوقت الذي تريد فيه فرنسا مشاركة الجزائر باعتبارها ذات نفوذ في مالي و شريك قوي لمحاربة ما يسمى بالإرهاب وفق الاطراء الامريكي فان المسؤولين الفرنسيين لا يتركوا فرصة للتحامل على الجزائر و النيل من كرامتها و يكفي ما اقدم عليه وزير الدفاع الاسبق " جيرار لونغي " في عهد ساركوزي ووزير الخارجية " جيلبر. ك " الذي ايد حتى سلوكه غير المتحضر على المباشر ردا على طلب وزير المجاهدين الجزائري المتعلق بمطالبة اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر ,و الجزائر في عز الاحتفال بذكرى الثورة المجيدة . و في المقابل تعاقب فرنسا الرسمية كل من يتجرأ على مس ما يسمى ب " السامية " او نكران ما ارتكبته النازية في حق اليهود .
و التناقض الاخلاقي ليس في فرنسا المجرمة و لا في امريكا راعية الارهاب الدولي و لكن المشكلة تكمن ايضا في مسؤولينا الجزائريين الذين يتعاونون بشكل مباشر او غير مباشر مع مسؤولين لا يزالون يحملون الكثير من الحقد للجزائر و الكثير من الاحتقار و الاستعلاء على الشعوب الافريقية . اذ كيف يعقل ان تتعاون الجزائر المعروفة بمواقفها و مبادئها امع فرنسا على تثبيت عملائها في افريقيا و المساعدة في ترتيب اوراق القوى العظمى في المنطقة . و قد يكون من الاجدر ان تلغي الجزائر زيارة " هولاند " لها كرد على رد مسؤوليها المتحضرين .
و الحقيقة ان الجزائر المعروفة بتسترها هي من اسالت بتصريحات مسؤوليها لعاب الغرب بالمائتي مليار دولار المودعة في الخزينة و بسخائها على صندوق النقد الدولي بقرضه 05 مليارات دولار, حيث لم يكتفى بدفنها في انفاق مشروع المترو الذي لم تعد له نهاية متوقعة او على جنبات مشروع الطريق السيار شرق غرب الذي سيعاد نصفه بالتأكيد و بتكلفة ربما تفوق ال 14 مليار دولار هذه المرة .و التي بإمكانها ربما انجاز الطريق السيار العابر لقارة اوربا . هذا الابتذال الزائد و الواقع في غير مكانه هو من اطمع الغرب لتتكفل الجزائر بتمويل حربه في مالي بشكل او بآخر مثلما مولت دول الخليج حروبه في العراق و باكستان و افغانستان و ليبيا . و في مقابل ذلك يستنجد جيراننا التونسيون لاقتراض بضعة ملايين و قد لا نقرضهم اياها .
و قد يقول قائل ان الجزائر اضطرت و تضطر في احسن الاحوال الى هكذا موقف لان امريكا و فرنسا و الاتحاد الافريقي المرتبط بهما قرروا التدخل عسكريا و بالتالي فما كان من الجزائر إلا ان تساير الموقف حتى لا تتجاوزها الاحداث , و حتى و ان كان الامر كذلك و كاد البساط ان يسحب من تحتها فان ذلك لا يعد مبررا للتعاون مع اعداء الامس و اعداء اليوم الذين يريدون بالجزائر كل الشر . و قد كان من المفروض ان توازن الجزائر بين مصلحتها في حال المشاركة في هذا التدخل و مصلحتها في عدم المشاركة , و الاكيد ان الجزائر اذا قررت عدم المشاركة فإنها تبقي على سمعتها و على مصداقيتها و الاكثر من ذلك توافقها مع موقف شعبها و هذا هو الاساس . ناهيك عن عدم تعرض امنها على الحدود مع مالي للأخطار بسبب انتقام الجماعات المسلحة المالية و غير المالية , و ذلك بحكم صعوبة الانتقام من فرنسا و امريكا اللتان ستعتمدان على الجانب التكنولوجي او بالأحرى الجانب اللوجستي . و بتعبير آخر سيقع الانتقام " الترقي " على الدوائر الضعيفة بدل القوية .
و السياسة الناجحة للدول تكمن في الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة و منسجمة بشكل يعزز الجبهة الخارجية و عندها لا يمكن ممارسة اي ضغط اجنبي على النظام الشرعي المتصالح مع شعبه و المتطلع الى رقي الامة و تقدمها .
و الجزائر ان ابقت على عامل ضعف تنمية المناطق الحدودية مع مالي و مع غيرها سيصعب من جهودها المتعلقة بحفظ امنها , ذلك ان سكان تلك المناطق انما لجأوا و سيلجأون اكثر الى التهريب و الى تجارة السلاح و المخدرات لتأمين عيشهم و رزقهم الى ان يصلوا الى درجة ادمان يصعب معها اعادتهم الى الوضع الطبيعيي . و قد عاشت الجزائر و تعيشها حاليا في احداث ليبيا و هاهي تتكرس اكثر مع القادم من احداث مالي .
و تداعيات ما سيحدث في مالي كبيرة و كثيرة خاصة و ان للقوى الكبرى اجنداتها الخاصة بالمنطقة و المحيط الافريقي اغلب دوله اما هميلة او متعاملة او متعاونة بسوء نية او بحسنها خاصة في ظل غياب الدور الجزائري في افريقيا و في العالم حيث تكرست سياسة النأي بالنفس على عكس ما كانت عليه في السابق , و حيث استفراد فرنسا بها .
و قد لمست الجزائر هذا التوجه المشبوه في لقاء ابوجا في نيجيريا و هو ما جعلها تعيد حساباتها , و قد عبر بيان وزارة الخارجية عن ذلك حينما وصف التدخل العسكري في مالي ب " الكارثي " و هو بالفعل كذلك .و هذا على عكس الموقف الذي بعث الارتياح لدى وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون خلال زيارتها الاخيرة الى الجزائر .
و يبقى على الجزائر ان تحمي حدودها بإمكاناتها الخاصة دون الاستعانة بالقوى الكبرى كي لا تبتزها و ان تتعامل مع جيرانها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية مثلما كانت تطالب هي اثناء مآساتها الداخلية انطلاقا من مواقفها مع الشعوبو ليست الانظمة , و الالتزام بحماية حدودها دون التورط في تمويل الحرب او المشاركة بوحدات من جيشها فيها, هو الحل الامثل لان الفرق شاسع بين تحمل مسؤولية ان نصرف و نموت من اجل حماية حدودناو نحفظ امننا و بين ان نمول حربا و ان يموت جنودنا لاجل عيون امريكا و فرنسا اللتان تتمنيان قرب مجيئ d;l قد تجوب فيه طائرات الاستطلاع اجواء جنوبنا الذي لا ينظر اليه الكثير من مسؤولينا الا على انه خزان نفط و براميل بترول .
السياسة الغربية و الامريكية بوجه خاص كذاك الاخطبوط الذي لا تنتهي اذرعه اذ كلما قضيت على ذراع إلا و اعترضتك ذراع اخرى , و الحقيقة ان قوة هذا الاخطبوط متأتية في معظمها من ضعفنا و هواننا و عدم احترامنا لأنفسنا . و ضعفنا متأت من عدم شرعية انظمتنا التي باعت الدين و العرض و الارض
السياسة الغربية و الامريكية بوجه خاص كذاك الاخطبوط الذي لا تنتهي اذرعه اذ كلما قضيت على ذراع إلا و اعترضتك ذراع اخرى , و الحقيقة ان قوة هذا الاخطبوط متأتية في معظمها من ضعفنا و هواننا و عدم احترامنا لأنفسنا . و ضعفنا متأت من عدم شرعية انظمتنا التي باعت الدين و العرض و الارض .
و امريكا تبتز انظمتنا انطلاقا من شرعيتها المفقودة مرة و من غياب الديمقراطية ,حتى و لو كانت على مقاسها و مقاس اسرائيل , مرة اخرى ,الى ان اهتدت الى ما صار يعرف بالربيع العربي حيث اصبح ورقة ضغط كبيرة تلوح بها الدول القوية في وجه الانظمة الدكتاتورية الفاقدة لأية شرعية .
لام الكثير من الجزائريين مثقفين و ساسة و حتى اناس عاديون الثوار الليبيين على تعاونهم مع قوات النيتو لإسقاط القذافي و اعتبروا ذلك انتقاصا لثورتهم , و هو بالفعل كذلك , و قد كان للموقف الجزائري الرسمي مما حدث في ليبيا الاثر الكبير في خلق جبهة شبه معادية على الحدود الشرقية و كأن الجزائر لم تكتف ,على الاقل ,بانعدام الراحة على الجبهة الغربية .
و سيكون للموقف الجزائري في حال تاييد التدخل العسكري في مالي اكبر التداعيات مثلما حدث في الموقف من ثورة اللبيبين , و قد اشار وزير الداخلية الجزائري الى ذلك الخطر الداهم , و اول تلك التداعيات ان الحكومة الجزائرية تكون قد ضاعفت المساحة غير الآمنة على حدودنا الجنوبية و الجنوبية الشرقية مع ليبيا المتداعية اصلا ناهيك عن الحدود الغربية مع المغرب التي يكاد يفقد من جانبها الارتياح الامني و الاقتصادي , و لنا ان نقف على حقيقة المساحة غير الآمنة من خلال معرفة ان حدود الجزائر مع مالي تصل الى 1376 كم و مع ليبيا 960 كم ناهيك عن 1559 كم مع المغرب , و بالتالي فان اضافة حدود غير آمنة مع مالي لا يعني إلا خلق اعباء كبيرة و تكاليف باهظة ستخصم مؤكدا من جيوب الجزائريين ,الجزائر في غنى عنها .
فالغرب و على رأسه امريكا و فرنسا و من خلفهما اسرائيل هو من يفتعل الازمات و يخطط لحروب تشنها انظمة بالوكالة , انظمة مبتزة سياسيا و اقتصاديا و بالتالي تبتز عسكريا , كأن تظطر الى عقد صفقات اسلحة مشبوهة كصفقة السعودية مع المملكة المتحدة او شن حروب بالوكالة كما حدث في حرب تحرير الكويت او الحرب على تنظيم القاعدة او في حربه مستقبلا مع ايران .
فالغرب يتعمد غظ الطرف عن كثير من التجاوزات التي تقع فيها انظمة العار عندنا و احيانا يوعز لها بالاستشارة السياسية و الاقتصادية لتوريطها في متاهات سياسية او افلاس اقتصادي , من قبيل تزوير الانتخابات او قمع المعارضة او في امور تتعلق بحقوق الانسان . و الغرب ايضا حينما يبقي على مثل هذه الملفات مؤجلة و معلقة في رقاب الانظمة انما ليستخدمها في الوقت المناسب للاستثمار السياسي , و ليس ذلك احقاقا للديمقراطية او حبا للشعوب المضطهدة بل لرهانات سياسية تربطها مصالح و اجندات معينة .
و قد اهتدى الغرب في الاونة الاخيرة الى ما اصبح يسمى بالربيع العربي حيث اصبح يمسك الانظمة غير المتصالحة مع شعوبها و غير الآخذة للعبرة مما حدث لدى جيرانها, و هي كلها في المنطقة العربية , من اليد التي توجع . و قد يكون ابتزاز الجزائر لانتزاع موافقتها على الحل العسكري في مالي من هذا الجانب , بمعنى ان امريكا و فرنسا و الغرب عموما صارت تهدد البلدان التي لم تمر بها موجة الربيع العربي بالوقوف مع المعارضة و يستحضرون دوما النموذج الليبي , في حالة رفض التعاون او عدم الانصياع لإرادة الابتزاز . و مما يذكر ان امريكا اهتدت في الجانب التكنولوجي الى طائرات الاستطلاع بدون طيار خاصة بعد تجربة تدخلاتها العسكرية المكلفة في العراق و افغانستان , بحيث تفرض سيطرتها على العالم باختراق سيادة الدول لتضرب ما تشاء وقت ما تشاء و في المكان الذي تشاء بأقل تكلفة مثلما هو حاصل في باكستان و اليمن و لم لا الجزائر لا قدر الله ; و منطقة الساحل في الاشهر القادمة .
و قد يتساءل احدنا و ماذا تفعل الدول الضعيفة امام هذا السيل الجارف من الضغوط ,فنقول ان علاج ذلك يكمن في تمتين جدر الجبهة الداخلية و لا طريق لذلك إلا طريق الديمقراطية الحقة و التنمية الفعلية اللتان تفرزن نظما شرعية تنسجم في موقف واحد و موحد و مسؤول مع شعوبها حينما تتعرض لهكذا ابتزاز .
الجزائر, و مهما بررت موقفها السياسي تجاه قضية مالي في حالة مشاركتها , فإنها تخسر اكثر مما تربح ذلك ان فرنسا و امريكا سترحلان بمجرد تنصيب عميل جديد يخلف العميل الحالي على مالي في حالة ما اذا لم يرق لهم الرئيس الحالي مثلما نصبت فرنسا عميلها في ساحل العاج و في كثير من بلدان افريقيا و اقامة قاعدة عسكرية للقضاء على ما يسمى بالجماعات الارهابية حسب ما يعتقد هؤلاء و شركاؤهم و تبقى الجزائر تجابه لوحدها و على طول اكثر من 1376 كلم من الصحاري و المناطق الوعرة , ليس فقط قلول تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي بل فلول مقاتلي الازواد و التوارق عموما , و هو ما يعني ان الجزائر اذا ما تأكدت مشاركتها في هذا التدخل ستعلن الحرب على جميع التوارق المتواجدين في شمال مالي و جنوب ليبيا و حتى النيجر , و المشكلة ان لهؤلاء علاقات وطيدة مع توارق الجزائر و لهم الكثير من روابط القرابة و النسب و حتى التعاملات التجارية و المصالح المتبادلة , حيث يكاد يكون التهريب هو السمة الغالبة على النشاط التجاري بحكم التهميش و انعدام مصادر العيش الكريم , ذلك ان التوارق يتواجدون في الاطراف النائية للدول التي يتواجدون فيها حيث البطالة و غياب التنمية الحقيقية .
و المؤكد ان الدعم سيصل الى الازواد و الجهاديين من توارق البلدان المجاورة و هو ما يؤكده تتبع و افشال الجيش الجزائري لمحاولة تسلل لإدخال شحنات من السلاح عبر ولاية اليزي الجزائرية الاسبوع الماضي . ذلك ان العواقب تأتي تباعا ليصل الامر الى كثير مما لا نتصوره في الوقت الراهن خاصة و ان هذا التدخل لا يفرق بين جماعات مسلحة دخيلة و بين حركات تحرر تمثلها مجموعات الازواد .
و قد نشطت تجارة السلاح بمختلف انواعه و احجامه خاصة بعد سقوط السلاح الليبي المكدس منذ سنوات في مخازن ثورة الفاتح من سبتمبر . و المؤكد ان التدخل العسكري في مالي سوف لن يحل المشكلة إلا بقدر ما حلت في افغانستان او العراق حيث ان كل ما تم احرازه هو ازاحة طالبان و صدام حسين من السلطة و تنصيب حميد كرزاي و المالكي كعملاء راعيين لمصالح امريكا و الغرب . و تبقى فلول الازواد و القاعدة منتشرة في شكل عصابات تعرف مسالك الصحراء و لها مخازن كثيرة من السلاح الليبي قد يضم حتى صواريخ " سام " و التي لها نفس فعالية صواريخ " ستينغر " الامريكية لإسقاط الطائرات . و حتى و ان استخدمت الطائرات بدون طيار فان فاعليتها لا تتجاوز ما كانت عليه في افغانستان او في العراق مع فارق مختلف نوعا ما في الجانب الجغرافي و التضاريسي اذا ما قارنا جغرافية مالي بجغرافية افغانستان و هي من جهة اخرى متقاربة مع جغرافية العراق .
و مما يذكر ان للجزائر مبرراتها في عدم توريط نفسها بهذا التد خل العسكري الذي يخدم الغير و لا يخدمها بتاتا انطلاقا من كونها لما حاربت ما يسمى " الارهاب " في التسعينات حاربته لوحدها و لم تقف معها اية دولة بما فيها الولايات المتحدة , راعية الحرب على " الارهاب " و من ثم فمن حقها ألا تقف هي اليوم مع اي من هذه الدول التي تريد محاربة " الارهاب " في مالي و في غير مالي . هذا انطلاقا من التصريحات العديدة و المختلفة للمسؤولين الجزائريين .
القضية و كل ما فيها ان اسرائيل نجحت في خلق مشكلة للسودان و استطاعت بالتواطؤ مع امريكا و الغرب و ابتزاز مجلس الامن توليد دويلة جنوب السودان ولادة قيصرية بحيث اصبحت فيها مواطئ اقدام للموساد و لمصالح الدولة العبرية و التي كان آخرها , بالإضافة الى مشكلات المياه التي ستخلقها مستقبلا لكل من مصر و السودان , ما اقدمت عليه الطائرات الاسرائلية و هي تطير من جوبا لتضرب مصنع اليرموك للأسلحة في العاصمة الخرطوم .
كذلكم فالأمر غير بريء في احداث القارة السمراء حيث ستشن هذه الحرب ليس على " توارق " مالي فحسب بل ستشن على كل توارق المنطقة و ذلك بحكم الانتماء الى العرق الواحد و الى المعاناة المشتركة و الى التهميش المفروض . و النتيجة هي ان يظلم التوارق في كل الدول التي يعيشون فيها ظلما كبيرا مثلما حدث و يحدث للأكراد بحيث سترتكب في حقهم فظاعات بحكم الحرب التي قد لا تفرق بين مدني يرعى ابله و بين مسلح من الازواد يدافع عن حق العيش الكريم في مالي او آوى التنظيمات الجهادية كرد للجميل الذي قدمته له لردح جيش مالي النظامي . و لعل المجازر التي تعرضت لها قبيلة التبو في ليبيا اثناء الثورة يحمل الكثير من مؤشرات محاولة خلق صراع على اساس عرقي و اثني في المنطقة .
و سيصل الامر الى ان يصير للتوارق قضية تحت عنوان تحرير التوارق من مجموع انظمة الدول التي ينتمون اليها و عندها يلقون الدعم بالسلاح و بالمال من طرف الغرب و من ورائه اسرائيل و ستنشأ لهم دولة على غرار دولة جنوب السودا ن او كردستان العراق . و عندها سترتمي دولة الازواد او التوارق في احضان الغرب ليغرس خنجرا آخر في قلب المغرب العربي الكبير على غرار ما حصل في السودان او في اندونيسيا بإقليم تيمور الشرقية ذو الغالبية المسيحية الذي افتك عنوة من اندونيسيا عام 2002 و صنعوا له دولة .
و قد عمل القذافي بتهور منه لإقامة كيان للتوارق يكون بشكل او بأخر تحت امرته . و قد حاربت الجزائر و غيرها من دول المنطقة هذه الفكرة من اساسها . و لعل هذا ما اشار اليه سندة ولد بوعمامة احد قادة تنظيم انصار الدين في شمال مالي حينما ذكر ان المؤامرة تتجاوز شمال مالي لتستهدف جنوب الجزائر و حتى دولة النيجر و المنطقة ككل , و من هذا المنطلق ايضا اتصلت حركة انصار الدين بالحكومة الجزائرية لإطلاعها على حقيقة الوضع في شمال مالي و اللعبة القذرة التي لا يستفيد منها إلا اعداء المنطقة . و هو الامر الذي اضفى نوعا من البرودة و التردد في الموقف الجزائري بعد القبول المبدئي بالتدخل العسكري , ناهيك عن المعارضة الشعبية الواضحة لأي تدخل خاصة في ظل كثير من الرضا و القبول الذي تحظى به الحركات المسلحة من قبل الماليين انفسهم حيث اعفتهم سلطة المتمردين الجديدة من كل الضرائب و المقتطعات المبالغ فيها في عهد النظام المالي السابق .
و بمعنى آخر يتساءل الكثير من الجزائريين عن جدوى التدخل في مالي ليقتل جنودنا و تدفع تكاليف الحرب من خزينتنا و على حساب تنميتنا لتنفذ امريكا و فرنسا اجنداتها بعيدا عن مصلحة و أمن الجزائر و امن و استقرار المنطقة ككل , اذ ما الذي يغيض الجزائريين اذا كان مطلب الجزء الشمالي من مالي المسلم يريد تطبيق الشريعة و هو راض تمام الرضا لأنه يعتبر العملية تحريرا و ليست شيئا آخر؟
ان الجزائر اذا ما ورطت نفسها في مستنقع مالي فإنها على ما يبدو لم تستفد من موقفها تجاه احداث ليبيا والتي خسرنا على اثرها امن 960 كم من حدودنا معها و خسرت عمالتها هناك بحيث ضاعت الكثير من مصالح الجزائريين في ليبيا , و ما حادثة حرق العلم الجزائري و محاولة اقتحام سفارتنا هناك اثر مباراة في كرة القدم إلا من قبيل ذلك الاحتقان و التشنج .
و لو كانت امريكا جادة في مجال حقوق الانسان و الديمقراطية فلماذا لا تتدخل في غزة لرفع الحصار عنها او وقف العدوان عليها هذه الايام و لماذا لا تتدخل في ميانمار لإنقاذ اقلية الروهنغاريا المسلمة في " اراكان " من التصفية العرقية و الابادة على غرار ما حدث في تيمور الشرقية باندونيسيا حيث تحول الاقليم المسيحي الى دولة بجرة قلم من امريكا و مجلس امن الغرب . بل رفعت الحظر عن مسؤولي هذه الدويلة و كأنها تكاقئهم على ما اقدموا عليه ضد المسلمين و ستكون زيارة اوباما لها في قادم الايام عربون رضا و محبة بعيدا عن حقوق الانسان و تبجحات ديمقراطية امريكا.
و الجزائر بموافقتها المبدئية , بعد زيارة كلنتون ,على التدخل العسكري في مالي تكون قد خالفت الدستور و خالفت مبادئ تأسيس جيشها الوطني الشعبي الدفاعية و مبادئ سياستها الخارجية التي تنص على عدم التددخل في شؤون الدول الداخلية مهما كانت الاسباب .
و المحير ان الجزائر تعرف جيدا ان تصنيف امريكا لمنطقة الساحل و الصحراء الكبرى كمنطقة استراتيجية لمحاربة ما يسمى بالإرهاب و اليد الفرنسية الطولى العابثة في افريقيا , له ابعاد كبيرة تتجاوز شمال مالي , حيث العيون على الجنوب الجزائري الزاخر بالذهب و اليورانيوم و الخزانات الاستراتيجية للمياه الجوفية و حتى الطاقة الشمسية , ناهيك عن البترول كأهم ثروة تسيل لعاب الدول العظمى عندما تتأزم عندها امور الاقتصاد و المال.
ان الاستعمار الجديد لازال يتعامل بنفس عقلية الاستعمار القديم و كل ما تغير هو الادوات و الوسائل , ففي الوقت الذي تريد فيه فرنسا مشاركة الجزائر باعتبارها ذات نفوذ في مالي و شريك قوي لمحاربة ما يسمى بالإرهاب وفق الاطراء الامريكي فان المسؤولين الفرنسيين لا يتركوا فرصة للتحامل على الجزائر و النيل من كرامتها و يكفي ما اقدم عليه وزير الدفاع الاسبق " جيرار لونغي " في عهد ساركوزي ووزير الخارجية " جيلبر. ك " الذي ايد حتى سلوكه غير المتحضر على المباشر ردا على طلب وزير المجاهدين الجزائري المتعلق بمطالبة اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر ,و الجزائر في عز الاحتفال بذكرى الثورة المجيدة . و في المقابل تعاقب فرنسا الرسمية كل من يتجرأ على مس ما يسمى ب " السامية " او نكران ما ارتكبته النازية في حق اليهود .
و التناقض الاخلاقي ليس في فرنسا المجرمة و لا في امريكا راعية الارهاب الدولي و لكن المشكلة تكمن ايضا في مسؤولينا الجزائريين الذين يتعاونون بشكل مباشر او غير مباشر مع مسؤولين لا يزالون يحملون الكثير من الحقد للجزائر و الكثير من الاحتقار و الاستعلاء على الشعوب الافريقية . اذ كيف يعقل ان تتعاون الجزائر المعروفة بمواقفها و مبادئها امع فرنسا على تثبيت عملائها في افريقيا و المساعدة في ترتيب اوراق القوى العظمى في المنطقة . و قد يكون من الاجدر ان تلغي الجزائر زيارة " هولاند " لها كرد على رد مسؤوليها المتحضرين .
و الحقيقة ان الجزائر المعروفة بتسترها هي من اسالت بتصريحات مسؤوليها لعاب الغرب بالمائتي مليار دولار المودعة في الخزينة و بسخائها على صندوق النقد الدولي بقرضه 05 مليارات دولار, حيث لم يكتفى بدفنها في انفاق مشروع المترو الذي لم تعد له نهاية متوقعة او على جنبات مشروع الطريق السيار شرق غرب الذي سيعاد نصفه بالتأكيد و بتكلفة ربما تفوق ال 14 مليار دولار هذه المرة .و التي بإمكانها ربما انجاز الطريق السيار العابر لقارة اوربا . هذا الابتذال الزائد و الواقع في غير مكانه هو من اطمع الغرب لتتكفل الجزائر بتمويل حربه في مالي بشكل او بآخر مثلما مولت دول الخليج حروبه في العراق و باكستان و افغانستان و ليبيا . و في مقابل ذلك يستنجد جيراننا التونسيون لاقتراض بضعة ملايين و قد لا نقرضهم اياها .
و قد يقول قائل ان الجزائر اضطرت و تضطر في احسن الاحوال الى هكذا موقف لان امريكا و فرنسا و الاتحاد الافريقي المرتبط بهما قرروا التدخل عسكريا و بالتالي فما كان من الجزائر إلا ان تساير الموقف حتى لا تتجاوزها الاحداث , و حتى و ان كان الامر كذلك و كاد البساط ان يسحب من تحتها فان ذلك لا يعد مبررا للتعاون مع اعداء الامس و اعداء اليوم الذين يريدون بالجزائر كل الشر . و قد كان من المفروض ان توازن الجزائر بين مصلحتها في حال المشاركة في هذا التدخل و مصلحتها في عدم المشاركة , و الاكيد ان الجزائر اذا قررت عدم المشاركة فإنها تبقي على سمعتها و على مصداقيتها و الاكثر من ذلك توافقها مع موقف شعبها و هذا هو الاساس . ناهيك عن عدم تعرض امنها على الحدود مع مالي للأخطار بسبب انتقام الجماعات المسلحة المالية و غير المالية , و ذلك بحكم صعوبة الانتقام من فرنسا و امريكا اللتان ستعتمدان على الجانب التكنولوجي او بالأحرى الجانب اللوجستي . و بتعبير آخر سيقع الانتقام " الترقي " على الدوائر الضعيفة بدل القوية .
و السياسة الناجحة للدول تكمن في الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة و منسجمة بشكل يعزز الجبهة الخارجية و عندها لا يمكن ممارسة اي ضغط اجنبي على النظام الشرعي المتصالح مع شعبه و المتطلع الى رقي الامة و تقدمها .
و الجزائر ان ابقت على عامل ضعف تنمية المناطق الحدودية مع مالي و مع غيرها سيصعب من جهودها المتعلقة بحفظ امنها , ذلك ان سكان تلك المناطق انما لجأوا و سيلجأون اكثر الى التهريب و الى تجارة السلاح و المخدرات لتأمين عيشهم و رزقهم الى ان يصلوا الى درجة ادمان يصعب معها اعادتهم الى الوضع الطبيعيي . و قد عاشت الجزائر و تعيشها حاليا في احداث ليبيا و هاهي تتكرس اكثر مع القادم من احداث مالي .
و تداعيات ما سيحدث في مالي كبيرة و كثيرة خاصة و ان للقوى الكبرى اجنداتها الخاصة بالمنطقة و المحيط الافريقي اغلب دوله اما هميلة او متعاملة او متعاونة بسوء نية او بحسنها خاصة في ظل غياب الدور الجزائري في افريقيا و في العالم حيث تكرست سياسة النأي بالنفس على عكس ما كانت عليه في السابق , و حيث استفراد فرنسا بها .
و قد لمست الجزائر هذا التوجه المشبوه في لقاء ابوجا في نيجيريا و هو ما جعلها تعيد حساباتها , و قد عبر بيان وزارة الخارجية عن ذلك حينما وصف التدخل العسكري في مالي ب " الكارثي " و هو بالفعل كذلك .و هذا على عكس الموقف الذي بعث الارتياح لدى وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلنتون خلال زيارتها الاخيرة الى الجزائر .
و يبقى على الجزائر ان تحمي حدودها بإمكاناتها الخاصة دون الاستعانة بالقوى الكبرى كي لا تبتزها و ان تتعامل مع جيرانها بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية مثلما كانت تطالب هي اثناء مآساتها الداخلية انطلاقا من مواقفها مع الشعوبو ليست الانظمة , و الالتزام بحماية حدودها دون التورط في تمويل الحرب او المشاركة بوحدات من جيشها فيها, هو الحل الامثل لان الفرق شاسع بين تحمل مسؤولية ان نصرف و نموت من اجل حماية حدودناو نحفظ امننا و بين ان نمول حربا و ان يموت جنودنا لاجل عيون امريكا و فرنسا اللتان تتمنيان قرب مجيئ d;l قد تجوب فيه طائرات الاستطلاع اجواء جنوبنا الذي لا ينظر اليه الكثير من مسؤولينا الا على انه خزان نفط و براميل بترول .
0 التعليقات:
إرسال تعليق