قول المعلم لا أدري لما لا يدري جزء من العلم
لقد عاب الله على
الذين يتكلمون بغير علم ، وذمهم في كتابه ، وعلى لسان رسوله r. وذلك لأن القائل بلا علم ، يضل ولا
يهدي ، ويفسد ولا يصلح . وقول المرء لا أعلم أو لا أدري لما لا يعلم ولا يدري ،
ليس عيباً ، ولا نقصاً في علمه وقدره ، بل هو من تمام العلم .
ولما سأل الله رسله
يوم القيامة بقوله : (
يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب )[1] أي ماذا أجابتكم به أممكم ؟ ( قالوا لا علم ) وإنما
العلم لك يا ربنا فأنت أعلم منا
( إنك أنت علام الغيوب ) أي تعلم الأمور الغائبة والحاضرة[2] .
( إنك أنت علام الغيوب ) أي تعلم الأمور الغائبة والحاضرة[2] .
ولما سأل الله
ملائكته بقوله (
وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم
صادقين ، قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم )[3] فلم تستح[4] الملائكة من رد علم المجهول إلى عالمه
.
والعلم ساحل لا بحر
له ، ولا يحيط به إلا من وسع كل شيء علماً جل جلاله . والبشر ، كل البشر بضاعتهم
في العلم قليلة ، قال تعالى : (
وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) . وإذ1 كان الأمر كذلك فلا حياء ولا
عيب أن يقول المعلم أو غيره لا أدري .
يقول الماوردي في
أدبه[5] : فإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم سبيل
، فلا عار أن يجهل بعضه ، وإذا لم يكن في جهل بعضه عار ، لم يقبح به أن يقول لا
أعلم فيما ليس يعلم . أهـ . وإنما القبح كل القبح ، أن يوهم ويدلس على الناس بكلام
خاطئ مغلوط . والطلاب وإن دلس عليهم معلمهم بإعطائهم معلومات خاطئة لينجو من موقف
معين ، إلا أنهم سوف يكتشفون ذلك إن عاجلاً أو آجلاً ، ومن ثم تهتز صورته لديهم ،
ولا يثقون بعدها بالمعلومات والمواد التي يطرحها عليهم .
والمعلم الأول r ، كان
يقول لما لا يدري ، لا أدري حتى يأتيه الوحي بذلك ، ولم يمنعه أن يقول تلك المقالة
قول حاسد أو منافق! ، فتأمل ذلك وتدبره ، يهون عليك الكثير .
1- قال r : ( لا
تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون ، فأكون أو من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب
العرش ، فلا أدري : أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ، أو كان ممن استثنى الله )[6]
2- عن ابن عمر قال : ( جاء رجل إلى النبي r فقال : يا رسول الله
أي البقاع خير ؟ قال : لا أدري . فقال : أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري . قال سل
ربك . فأتاه جبريل r فقال :
يا جبريل أي البقاع خير ؟ قال : لا أدري ، قال : أي البقاع شر ؟ قال : لا أدري .
فقال : سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة كاد يصعق منها محمد r ، وقال :
ما أسأله عن شيء ، فقال الله – عز وجل – لجبريل سألك محمد أي البقاع خير ؟ فقلت :
لا أدري وسألك أي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري . فأخبره أن خير البقاع المساجد ،
وشر البقاع الأسواق [7].
أما تلامذة محمد r فقد ضربوا
أروع الأمثلة في التأسي بمعلمهم r ، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله
عنه يقول : أي سماء تظلني ؟ وأي أرض تقلني ؟ إذا قلت في كتاب الله بغير
علم . وهذا ابن
سعود رضي الله عنه يقول : إن من العلم أن تقول لما لا تعلم : الله أعلم . قال الله
تبارك وتعالى لنبيه r : ( قل ما أسئلكم عليه من أجر
وما أنا من المتكلفين ) ، وهذا
علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول فيما يرويه عنه الشعبي : إنه خرج عليهم
وهو يقول : ما أبردها على الكبد ؟! فقيل له : وما ذلك ؟ قال : أن تقول للشيء لا
تعلمه : الله أعلم . وهذا
ابن عمر رضي الله عنهما يقول فيما يرويه عنه نافع : أنه سئل عما لا يعلم فقال : لا يعلم
فقال لا علم لي به[8] . والكلام في ذكر أقاويل الصحابة
والسلف يطول ، وفيما ذكر يكفي ويشفي .
قال
الراجز :
فإن جهلت ما سئلت عنه
|
|
|
||
|
|
ولم يكن عندك علم منه
|
||
فلا تقل فيه بغير فهم
|
|
|
||
|
|
إن الخطأ مزر بأهل العلم
|
||
وقل إذا أعياك ذاك الأمر
|
| |||
مالي بما تسأل عنه خبر
|
||||
فذاك شطر العلم عند العلما
|
|
|
||
|
|
الخلاصة:
(1)
القائل بلا علم
مذموم أبداً في كتاب الله ، وعلى لسان رسوله r .
(2)
القائل بلا علم ،
يفسد ولا يصلح .
(3)
عدم المعرفة ليس
عيباً ولا نقصاً في حق المعلم .
(4)
الحياء والخجل من
قول ( لا أدري ) ليس سبباً مقنعاً في تمرير المعلومات الخاطئة على الطلاب .
(5)
يجب على المعلم أن
يغرس هذا المبدأ في نفوس طلابه ، ويؤكد عليه .
[4] سئل الشعبي عن مسألة فقال
كلاماً فيه أني لا أحسن الإجابة عن هذه المسألة . فقال له أصحابه : قد استحيينا لك
مما رأينا منك . فقال : لكن الملائكة المقربين لم تستح حين قالت : ( لا علم لنا
إلا ما علمتنا ) . ( مختصر جامع بيان العلم وفضله . لابن عبد البر ص221)
[6] جزء من حديث رواه البخاري
في كتاب أحاديث الأنبياء / ومسلم في الفضائل / وأحمد في باقي مسند المكثرين /
الترمذي في تفسير القرآن / وأبو داود في السنة .
[7] قال محقق مختصر جامع بيان
العلم .. ذكره ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم وفضله . (2/50) ، وقال محقق
إحياء علوم الدين نقلاً عن كتاب تخريج أحاديث الإحياء : أخرجه أحمد وأبو يعلى
والبزار والحاكم وصححه وهو من حديث ابن عمر . ثم قال : وهو حسن ذكره الألباني في
الصحيحة / 3271 .
0 التعليقات:
إرسال تعليق