وقل رب زدني علما

وقل رب زدني علما
الأربعاء، 4 يناير 2012

أهمية الرحلة في طلب العلم


أهمية الرحلة في طلب العلم

كان من توفيق الله تعالى  وفضله وتيسيره على هذه الأمة ، أن سخر لها العلماء لخدمة هذا الدين الحنيف ، والذب عن سنة المصطفى  e ، وحرصهم على العلم النافع ، رحلوا وجابوا البلاد والعباد ، وقطعوا المسافات بحثاً عن العلم ، ولم يجعلوا الدنيا مقصداً لهم ، ولا مبتغاً لشهواتهم الدنيوية ، بل علموا أن محاسن ولذات الدنيا مجموعة في تلك المشاهد والمناظر التي رأوها في رحلاتهم ،  فلم يتخلف من علم هذه اللذة عن هذه الرحلات .
عن أبي الدرداء t  قال : سمعت رسول اللهr  يقول : "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذ أخذ بحظ وافر". أخرجه أبو داود برقم (3641) ، والترمذي (3682) ، وابن ماجة (223) ، وابن حبان (88 مع الإحسان) ، وأحمد (5/196) ، والدارمي (1/98) ، والبغوي في شرح السنة            (1/275-276) ، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (1/36-37) ، والطحاوي في مشكل الآثار (1/429) ، الإيمان (25و 115) ، صحيح الجامع برقم (6297) .
وعن زر بن حبيش قال : أتيت صفوان بن عسال  t  أسأله عن المسح على الخفين فقال : ما جاء بك يا زر؟ فقلت : ابتغاء العلم فقال : إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب فقلت : إنه قد حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول وكنت امرءاً من أصحاب النبي r فجئت أسأل هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً ؟ قال : نعم ، كان يأمرنا إذا كنا سفراً أو مسافرين أن لا ننـزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم فقلت : هل سمعته يذكر في الهوى شيئاً؟ قال : نعم كنا في سفر مع رسول الله r بينما نحن عنده إذا ناداه أعرابي بصوت له جهوري يا محمد فأجابه رسول الله r نحواً من صوته : "هاؤم" فقلت له : ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي r وقد نهيت عن هذا فقال : والله لا أغضض ، قال الأعرابي : المرء يحب القوم ولما يلحق بهم ؟ قال النبي r : المرء مع من أحب يوم القيامة".
فما زال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً ، قال سفيان أحد الرواة قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه".
أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات برقم (3535) ، وقال : حسن صحيح ، وأحمد في المسند (4/239) ، فقه السيرة (214) ، الإيمان ، (ص 60) .
فيه فائدة عظيمة وهو فضيلة العلم وطلب العلم والمراد به العلم الشرعي أي العلم الذي جاء به النبي r  .
وعن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله e : "إن الله أوحى إلي : أنه من سلك مسلكا في طلب العلم سهلت له طريق الجنة و من سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة و فضل في علم خير من فضل في عبادة و ملاك الدين الورع"  . ‌

صحيح الجامع حديث رقم (1727) .

وعن صفوان بن عسال المرادي قال : أتيت المصطفى e فقال : "ما جاء بك" ، قلت : أنيط العلم ، أي أطلبه وأستخرجه ، قال : "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع" . 
صحيح الجامع حديث رقم (5702) .‌
قال المناوي في تعليقه على هذا الحديث : "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم" أي الشرعي بقصد التقرب إلى اللّه تعالى "إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع حتى يرجع" ، قال حجة الإسلام : هذا إذا خرج إلى طلب العلم النافع في الدين دون الفضول الذي أكب الناس عليه وسموه علماً ، والعلم النافع ما يزيد في خوفك من اللّه ويزيد في بصيرتك بعيوب نفسك وآفات عملك وزهدك في الدنيا ، فإن دعتك نفسك إلى الخروج في طلب العلم لغير ذلك فاعلم أن الشيطان قد دس في قلبك الداء الدفين وهو حب المال والجاه ، فإياك أن تغتر به فتكون ضحكة له فتهلك ثم يسخر بك . اهـ . فيض القدير .
 قال الواعظ المشهور منصور بن عمار الخراساني كما جاء في كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" (ص220ـ221) ونقلتها من كتاب صفحات من صبر العلماء ، قال عن الذين يرحلون إلى طلب العلم :       
فهم يرحلون من بلاد إلى بلاد ، خائضين في العلم كل واد ، شعث الرؤوس،خلقان الثياب خمص البطون ذبل الشفاه شحب الألوان نحل الأبدان قد جعلوا لهم هما واحداً ورضوا بالعلم دليلاً ورائداً لا يقطعهم عنه جوع ولا ظماء ولا يملهم منه صيف ولا شتاء .
مائزين الأثر : صحيحه من سقيمه ، وقويه من ضعيفه ، بألباب حازمة ، وآراء ثاقبة ، وقلوب للحق واعية ، فأمنت تمويه المموهين ، واختراع الملحدين ، وافتراء الكاذبين .
فلو رأيتهم في ليلهم ، وقد انتصبوا النسخ ما سمعوا ، وتصحيح ما جمعوا ، هاجرين الفرش الوطي ، والمضجع الشهي ، غشيم النعاس فأنامهم ، وتساقط من أكفهم أقلامهم ، فانتبهوا مذعورين ! قد أوجع الكد أصلابهم ، وتيه السهر ألبابهم ، فتمطوا ليريحوا الأبدان ، وتحولوا ـ عن مرقدهم ـ ليفقدوا النوم من مكان إلى مكان ، ودلكوا بأيديهم عيونهم ، ثم عاد إلى الكتابة حرصاً عليها ، وميلاً بأوائهم إليها : لعلمت أنهم حراس الإسلام ، وخزان الملك العلام .
فإذا قضوا من بعض ما راموا أوطارهم انصرفوا قاصدين ديارهم فلزموا المساجد وعمروا المشاهد ، لابسين ثوب الخضوع مسالمين ومسلمين ، يمشون على الأرض هوناً لا يؤذون جاراً ولا يقارفون عاراً حتى إذا زاغ زائغ أومرق من الدين مارق خرجوا خروج الأسد من الآجام ، يناضلون عن معلم الإسلام . انتهى  .
ثم قال أبو غدة تعقيباً :
ذلك ، لأنهم جعلوا "الرحلة" مناط الثقة بالعالم ، فقالوا كلمتهم المشهورة : "من لم يرحل فلا ثقة بعلمه" . وقديماً قال الإمام يحيى بن معين : "أربعة لا تؤنس منهم رشداً أي لا تبصر منهم خيراً ولا نفعاً ، وذكر الثلاثة ، ثم قال : "ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث " .
أورده الحافظ ابن الصلاح في كتابه " معرفة أنواع علوم الحديث " (ص210) في ( النوع الثامن والعشرين : معرفة آداب طالب الحديث ) .
ومن هذا قال الحافظ ابن الصلاح : "وإذا فرغ ـ الطالب ـ من سماع العوالي والمهمات التي ببلده ، فليرحل إلى غيره " . نعم : فليرحل بصيغة الأمر وذلك لما لمسوه من فوائد الرحلة وآثارها النافعة في تكوين المواهب الشخصية ، وتنمية المدارك العلمية وتوسعة الآفاق الفكرية ، والتطاعم بين العقول والمعارف وأهليها فلذا أقاموها مقام الحاجة الضرورية لمن سلك طريق العلم والتحصيل ، واعتبروها شرطاً لتوثيق العالم والثقة بعلمه .
فنشأ من ذلك هذه الرحلات الواسعة ، والأسفار الشاسعة والسنوات الطوال تقضي من أعمار هؤلاء الراحلين ، بعيدين عن الأهل والولد ، والزوجة والبلد ، متفرغين لتلقي العلم ولقاء العلماء ، ومشافهتهم ومشامتهم وتعرف ما عندهم ، والانتساب إليهم ، والاعتراف من معينهم
وقد صارت هذه الرحلات لدى العلماء السابقين جزءاً أصيلاً من حياتهم العلمية ، ورحل العلماء من أهل كل علم ، فرحل المفسر والمحدث ، والفقيه والأصولي ، واللغوي ، والنحوي ، والأديب ، والمؤرخ ، والزاهد ، والعابد ، والشاب ، والشيخ ، والكبير ، والصغير ، والوليد ! رَحَلُوا ورحَّلُوا معهم الوليد الذي دون أربع سنين أو ما فوقها ، كما تراه في تراجم كثير من العلماء الكبار ، ومنهم الإمام أبو سعد السمعاني .
وقد لقي الرحَّالون في أسفارهم متاعب ومصاعب ، وألاقي وشدائد لا تحصى ، دون عنهم بعضها ، وذهب بعضها دون تدوين ، فهذا الذي تراه في كتب التراجم من أخبارهم في الرِّحَلِ بعض ما كان وليس كل ما كان .
وكانت الرحلة تأخذ من عمر صاحبها السنتين والأربع ، والخمس والعشر ، وكثير منهم من أخذت الرحلة من عمره العشرين سنة ، أو الثلاثين سنة ، أو الأربعين سنة ، وبعضهم أخذت رحلته (45) سنة من عمره ، كالإمام أبي عبد الله بن منده .
جاء في صفحات من صبر العلماء (ص152) :
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : " لا يصلحُ طلبُ العلم إلا لمفلس "  . "الجامع" للخطيب (1/39) .
وقال رحمه الله تعالى : " لا يطلب هذا العلم من يطلبه بالتمللِ ـ أي بالتبرمِ وتقلب العزمِ ـ وغنى النفس فيُفلحَ ، ولكن من طلبه بذلةِ النفس ، وضيق العيش ، وخدمة العلم أفلح " . "تدريب الراوي" للسيوطي (ص345) .
ومن فوائد الرحلة في الطلب نذكر منها :
1ـ تحصيلهم للعلم ، وتمكنهم من الجوانب العلمية .
2ـ تطبيقهم وعملهم بما علموا ، ليصبحوا عالمين عاملين .
3ـ نشرهم لما تعلموه من العلم في رحلاتهم .
4ـ واتساعهم في الثقافة العامة ، وذلك من خلال احتكاكهم بالناس أثناء رحلاتهم ، ومعرفة ما لديهم من حكم وأمثال ونوادر ، وما شابه ذلك . 
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى : وإذا عزم الطالب على الرحلة ، فينبغي له أن لا يترك في بلده من الرواة أحداً إلا ويكتب عنه ما تيسر من الأحاديث ، وإن قلت .
وقد رحل في الحديث الواحد جماعة من السلف ، ذكرنا أسماءهم ، وأوردنا أخبارهم في كتاب "الرحلة في طلب الحديث" فغنينا عن أعادتها في هذا الكتاب . اهـ . "آداب طالب الحديث من "الجامع" للخطيب . إنتقاء بكر بن عبد الله أبو زيد .

0 التعليقات:

إرسال تعليق